كتاب سبر

فخ المقاطعة

لعل من حسن الحظ أن يعود في هذه الأيام موضوع المشاركة والمقاطعة إلى التداول من جديد، وبصورة مركزة، وبنقاش مستفيض من الطرفين السلطة والمعارضة، مما اتاحت لي الفرصة في أن أستشف توجهات الناس واتجاه قناعاتها في هذا الموضوع، وأعترف أنها كانت صادمة وغير متوقعة بالنسبة لي، واكتشفت انه ما زال الكثير من الناس متمسك بالمقاطعة وبإصرار أكبر واستيعاب اكثر، بعكس ما كنت اتصور من أن الناس قد تعبت وملت، وبدأ اليأس يسري في أوردتها، خصوصا بعد حالة التشرذم التي أصابت المعارضة واخفاقها في تسويق مشروعها وحشد الناس له، ممايجعل الناس تتجه للمشاركة مضطرة، ناهيك عن ضغط السلطة عن طريق اعلامها وأدواتها للدفع باتجاه المشاركة، وهذا ما استوعبته السلطة مبكراً وبدأت بايجاد طرق أخرى للدفع إليه، وربما كانت فكرة تغيير النظام الانتخابي الى صوتين الذي تمت مناقشته في يسمى كذباً مجلس أمة إحدى طرق الضغط على الناس والتيارات المعارِضة للمشاركة، إلا أن الناس همها أكبر و أفقها أوسع، وترسخت لديها القناعة بأن الموضوع ليس بهذه السطحية (صوت-صوتين) وانما هو نهج سيئ لن ينتهي بصوت أو صوتين أو مشاركة، وبناء على ما سبق فإن هناك أمور يجب إيضاحها:
1- عدم قدرة المعارضة على تسويق مشروعها والحشد له وتفرقها وعدم وجود اجابة شافية لديها على سؤال (ماذا بعد المقاطعة) هي قطعاً مشكلة كبرى ولكن حل هذه المشكلة ليس بالمشاركة حيث أن الأمرين منفصلان ولا يرتبطان البته.
2- مبدأ المشاركة (لدفع الضرر) ومنها ارجاع الجناسي وعدم سحبها مستقبلاً والقضايا السياسية والنهب المنظم للبلد، لن يكون ولن يتحقق بالمشاركة، لأنه وبكل بساطة وفق النهج الحالي لا يستطيع أحد أن يكون له صوت فوق صوت السلطة، ولن تكون للمشاركة قيمة مضافة إلا للسلطة فقط، حيث أن المشاركة اكتسبتها الشرعية هي الطرف المستفيد استفادة حقيقية من هذه المشاركة، ومن هنا يجب التنويه على أن مرسوم الضرر (الصوت الواحد) لم يكن مجرد قانون تغيير أصوات بل كان معول هدم لكل القيم السياسية التي اكتسبها المجتمع بعد وضع الدستور، وانقضاضا على حقوق الشعب وصلاحياته وكان مدخلاً للفساد بكل أشكاله وأنواعه، والأتيان بقواعد لعبة جديدة لا يملك الشعب أياً من خيوطها، فأي شعار ترفعه عند مشاركتك تأكد بأنك لا تملك الادوات لتحقيقه، وسيبقى مجرد شعارا مرفوعا لدغدة الأحلام، أو حبرا على ورق.
3- قواعد اللعبة الحالية لا ينقصها إلا شيء واحد فقط، وبحصوله تكون الامور قد (استقرت) واستتب الامر -للسلطة طبعاً وليس للشعب- وهو ما تسعى اليه السلطة وتحارب بجندها وجندلها للوصول له وهو: الحصول على الشرعية الشعبية، فمتى ما استوعبنا ذلك أدركنا خطورة مشاركة السلطة فسادها ولا اخفيكم بأنني لم أقتنع يوماً بالرأي الذي يقول بأن السلطة اصبحت بغنى عن ذلك ولم يعد يعني لها الامر شيئاً فالعكس هو الصحيح.
4- ما تقوم به السلطة الآن من نهب وسرقة وقمع لن يتوقف بالمشاركة، بل سيتم إضفاء الشرعية عليه، ولعل هذا الأمر من وجهة نظري هو الأكثر خطورة من بين كل ما سبق، ومن هنا يقع اللبس لدى البعض من أنه بالمشاركة يمكن وقف أو تقليل تلك المفاسد، ولكن العكس هو الصحيح.
يجب أن نعي بأن مقاطعة السلطة وعدم مشاركتها وفسادها وتركها وحيدة لا شك بأنه من أفضل وأنجح القرارات على الإطلاق حيث أن هذه المقاطعة أشركت معظم الشعب في معايشة الأزمة و واستيعابها، و أين تكمن الأزمة واين موضع الخلل وفي أي قصر يترعرع الفساد، واصبح واضحاً للكل أن الديموقراطية لدينا شكلية فقط واستيقظ الكثيرون من سباتهم، واصبحت المراقبة والمتابعة أقوى وأدق والوعي في تزايد.
وفي الختام .. أنا لست من دعاة العناد السياسي أو ممن يضعون العصا في الدولاب ولم أرفع يوماً شعار (أريد أبي حياً) إما بسحب المرسوم وإلا فلا، ولكنني أيضاً لن أقنع نفسي قسراً وقهراً بمحاولات أعلم مسيقاً فشلها وخطرها علينا، كل الأسئلة الفلسفية المطروحة على فكرة المقاطعة تنطبق أكثر علي المشاركة، ماذا بعد المقاطعة ماذا بعد المشاركة، لماذا تقاطع لماذا تشارك، مالهدف من المقاطعة مالهدف من المشاركة، بل إن المنطق أن تُطرح هذه الأسئلة للمشاركة وليس للمقاطعة، وخصوصاً بعدما تبيّن أن المقاطعة كانت فخاً وقعت فيه السلطة.