غرامي بالشعر يعرفه من قرب مني كما يعرفه من بعد فأنا من النوع الذي يرتشف البيت الذي يقرأه إرتشافا حتى آخر قطرة منه وأشعر معه بحالة من السكر حتى أبدو ثملا من جرّاء ذلك الارتشاف ولأني أؤمن بأن ما أسكر كثيره فقليله حرام تجدني لا أقنع بالقليل منه بل أحاول أن أشبع نهمي منه متى ما استطعت إلى ذلك سبيلا متبّعا نصيحة من يقول : “لا صرت رايح كثّر فضايح”.
على طاري الفضائح لا أعرف لماذا نحن العرب نختلف عن الغرب في مسألة كشف فضائح الحكام والرؤساء ، ففي الغرب لا تظهر فضائح الرؤساء إلا بعد تنحيهم أو موتهم ، وهنا تكون الفضايح متلتلة وعلى أفا من يشيل حال حياة الرئيس وما إن يموت ولن أقول يتنحى إلا ووجدت كيلا من المديح ينهال عليه وعبارة اذكروا محاسن موتاكم تحيط بسيرته اللاعطرة من كل جانب ، أتراها عاطفتنا الجيّاشة أم رغبتنا بأن نضع رؤوسنا على الوسائد وقلوبنا خالية من إضمار الكره لأحد ؟!
على طاري خلو القلب تذكرت بيتا للجميل جدا فهد عافت يقول فيه عن نصيحة أمه له :
وأنا أمك لا تنام بليلة وإنتَ خلي البال
وخلّ أدنى طموحك لا نظرت لنجمتين اللمس.
الشطر الأول أعتقد أن الجميل فهد طبقه بحذافيره تماما فمن أين يأت بقلب وبال خاليين من الهم؟! فهو بدون لم يشفع له تاريخه الشعري الحافل ولا قامته الشعرية الشاهقة في العلو في اقناع أصحاب القرار لمنحه “شرف” الحصول على الجنسية بينما حاز ذلك “الشرف” بعض اللاشرفاء ، كما أنه هجر وطنه فترة ليست بالقصيرة ليعود بعدها ليحاول أن يستجمع شتات ذاكرته لعله يهتدي على الأقل لموقع بيت أهله القديم والذي تم هدمه لتبنى فوقه فلل تسمى الآن بمنطقة النعيم وقد أسهب جميلنا في وصف شعوره ومشاعره بعد أول زيارة لمعشوقته في سلسلة مقالاته “زمان الوصل في الجهراء”.
أما الشق الثاني من نصيحة أمه فهي حثه على عدم الاقتناع بما هو دون النجوم وكأنه يجسد قول أبي الطيب رحمه الله وأباحه :
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
من جهتي أعرف الكثيرين ممن لا يتعدى طموح أحدهم خطوة قدمه تقبع رؤوسهم بين نجمتين وأربع نجوم وربما ستة نجوم ويستغلون نجومهم تلك في التسلط على عباد الله.
على طاري تلك النجوم لا أعرف لماذا يفرح الأب بابنه الذي يعلق النجمة ويقيم له مأدبة يرى أولها ولا يرى آخرها بينما لا يفعل ذلك مع ابنه الذي يحصل على شهادة الدكتوراه في علم من العلوم ولا مع ابنه الذي يعلي شهادة لا إله إلا الله ، هل من نصيحة تقدمونها لي لعل في الأمر سرا لا أعرفه .
على طاري النصيحة أعود لنصيحة أم فهد لفهد فأقول بالتأكيد أن جميلنا حاول تطبيق نصيحة والدته فقامته الشعرية قاربت من معانقة النجوم ولكنني أشك في أنه لامسها بيده لأن العين بصيرة والأيد قصيره واللي اختشوا ماتوا …!
على طاري الموت قرأت عبارة تقول :
لا تخف من صوت الرصاص فالرصاصة التي تقتلك لا تسمع صوتها ، هل تعتقدون بصحة هذا الكلام ؟ من جهتي لم أجرب الموت رميا بالرصاص بعد وبالتأكيد بعد تجربتي لن أعود لأقص عليكم نتاج تجربتي كما أنني لا أعرف ميتا عاد بعد قتله بالرصاص حتى أسأله وكما يقول درويش : لم يرجع أحد من الموت حتى يخبرنا الحقيقة.
وبما أننا لازلنا نتحدث عن الموت هل صحيح بأن للموت طعم ؟! وأن طعم الموت بعزة مشابه لطعمه بذلة ؟! لا تنتظروا مني جوابا فأنا لم أمت حتى الآن ولكن أبا الطيب يقول :
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيمِ
والعهدة عليه وناقل الكفر ليس بكافر وإن كنت أشعر بأن أبا الطيب مهايطي أكثر من اللازم فجعل من نفسه الفارس المغوار الذي لا يشق له غبار وهو لا يمتلك إلا جرما يلوكه في فيه قد ميزه الله عما لدينا نحن بني البشر الآخرين فبات يتسول به على الملوك والولاة ولو قطعه له أحدهم في مقتبل عمره لمات من الجوع كما يقول أبوعدنان ولَكُنا ارتحنا من مشاكل أبي الطيب ولما تناقلنا حتى اللحظة بيته الذي يقطر من سم العنصرية والذي قاله في كافور الإخشيدي :
لا تشترِ العبد إلا والعصا معه
إن العبيد لأنجاس مناكيد
ولذهبت أيام أبي الطيب أدراج الرياح .
على طاري الأيام ألا تشعرون بسرعة انقضاء الأيام ؟ عند وضع رأسك على الوسادة ترتسم على شفتيك ابتسامة سببها أن اليوم الذي كنت تفكر فيه بالأمس باعتبار أنه غدا سرعان ما انقضى ورغم ذلك فإنك تفكر في غد وكيف سيمر عليك الوقت فيه .
على طاري الوقت في صغري لم يكن يشكل لي الوقت شيئا مهما إلا في بعض الأحيان من تلكم الأحيان هو قيامي بحساب المدة التي تستغرقها الإشارة الحمراء عند وقوف سيارة والدي عندها ليس حبا في الإشارة بالطبع ولكن فرحا بساعتي الكاسيو التي اشتراها لي والدي وكانت تحتوي على ساعة إيقاف ، أذكر أن مدة الإشارة القريبة من البيت كانت عشرين ثانية فقط ، يااااااه ما أجملك يا إشارات زمان لم تكوني تسرقين منا الكثير من الوقت ، أما الآن فليست الإشارات وحدها من يسرق الأوقات بل إن أوقاتنا لم تعد ملكنا أصلا فوقت للموتة الصغرى ووقت لبيت الداء ووقت لبيت الخلاء ووقت لمراجعة الدوائر الحكومية ووقت للعمل ووقت يسرقه منك بعض الثقلاء بإجبارك على الجلوس معهم ، تود في بعض الأحيان لو أن من اخترع الساعة جعل اليوم 48 ساعة ! كم سيكون اليوم طويلا بحساب الساعات ولكن كيف سيكون شكل ساعة اليد يا ترى؟! ستبدو بشعة بالتأكيد والأدهى من ذلك كيف سيكون شكل ساعة الحائط وهي معلقة في الديوانية ؟! ستتسبب في تشقق الحائط بالتأكيد بسبب كبر حجمها وستفتح باب رزق واسع للصبّاغين ، والأدهى من ذلك كله كيف سيكون شكل ساعة مكة ؟! وكم ستكون تكلفتها أيضا خصوصا وأنها كلفت الكثير بشكلها الحالي فكيف لو كبر حجمها ؟! كل ذلك علمه عند الله .
بعد كل ما ذكرت أعلاه تيقنت أنني لازلت ثملا من جرّاء بيت الجميل فهد عافت .
هل فهمتم شيئا من مقالتي ؟!
أشك في ذلك .
منصور الغايب
أضف تعليق