اقتصاد

الكوح يشرح القضية بتفاصيلها
لا خير في “داو” ليست في داري

كمواطن بسيط يستمع إلى العديد من الآراء حول صفقة “الداو” ويتلمس الحسرات عليها وكيف أن فرصتها ضاعت على الكويت فالتقفتها المملكة العربية السعودية، وكمية الخسائر التي تكبدناها بسبب ذلك وسمعتنا التي ضاعت أمام  الدول الاقتصادية،.   
اليوم لن اكون كاتباً لعمود وأضع رأياً سياسياً بل سأكون طالب الدكتوراة صاحب التخصص البترولي في هذا المجال وابين لكم حصيلة بحث مطول تنقلت فيه بين صفحات الاخبار الامريكية والمكتبات لأقف على حقيقة الموضوع وابينه لكم.. سأحاول قدر الامكان أن اكون موضوعياً و التزم الحقائق وأكشف لكم اموراً تعلمونها لأول مرة.. كما انني لست هنا لأضع اللوم على احد ولكن سأبين الحقائق واترك لكم الاستنتاج.
تاريخ داو:
هي ثاني اكبر شركة للصناعة الكيميائية في العالم حيث توفر البلاستيك و المواد الكيميائية وبعض الاسمدة حيث كانت فوائدها في عام 2010 تقدر بحوالي 2 مليار دولار واجمالي ما تملكه هو 70 مليار دولار، كما قرأت الكثير من الآراء المغلوطة و التي تمتدح تاريخ شركة الداو علما بأنها تسببت بالعديد من الكوارث البيئية التي راح ضحيتها أبرياء, ففي عام 1990 رُفعت دعوى قضائية ضد شركة الداو من قبل 12 الف مواطن امريكي يطالبونها بتعويض مادي يقارب المليار و ذلك بسبب تعرضهم للأشعة المضرة من احد مصانع الداو، كما كانت هي الشركة الوحيدة التي تنتج سلاحاً كيميائياً استخدم في حرب فيتنام رغم امتناع جميع الشركات عن تصنيعه وذلك للاستخدام السيء ضد الابرياء في فيتنام، وأهم الحوادث و اشهرها هو حادثة “بوهبال” في الهند التي تعد اسوأ حادثه صناعية حين تسرب غاز سام راح ضحيته قرابة ال 14 الف شخص، وهنا يتبين مدى تورط هذه الشركة على مر التاريخ وتسببها بموت آلاف الأبرياء. 

أما على صعيد التعاون بين الكويت و شركة داو فهو يتعلق بوجود 6 شراكات مع شركة الصناعات البتروكيماوية ومن اشهرها  شركة إيكويت، وكما صرح وزير النفط الأسبق محمد العليم في عام 2008 ان اجمالي استثمارات الكويت مع داو تصل الى 6 مليارات دولار،  فضلاً عن أننا لم نسمع يوما ما اعتراض احد الاعضاء على اي مما سبق من شراكات استراتيجية تعتمد على بناء مصانع داخلية في الكويت نستفيد منها في جميع المجالات.
لماذا الكويت؟ وما سر هذا التوقيت؟

قد يتساءل المواطن: لماذا اختارت داو الكويت؟ و لماذا في هذا الوقت؟ للإجابة على هذا السؤال اضطررت للبحث في تاريخ الشركة ومعرفة وضعها الاقتصادي في الفترة السابقة لتوقيع العقد في عام 2007، حيث اقرت الشركة بأن نسبة الارباح في الانتاج الحالي بسيطة و عليهم التوجه الى ما هو افضل من خلال تصنيع مواد كيميائية دقيقة كما هو معمول في شركة “روم وهيس”،  فقررت شركة داو في أوائل عام 2007 قبل الانهيار الاقتصادي بتوقيع عقد شراء شركة “روم و هيس” حيث كان من المقرر دفع مبلغ 17 مليار دولار من اجل الاستحواذ عليها بموعد اقصاه 7 – 2008 والذي تم تخفيضه لاحقا الى 13 مليار و في حال فسخ العقد سوف تدفع شركة داو غرامه ماليه قيمتها 750 مليون،  وبعد الأزمة الاقتصادية العالمية اضطرت داو للبحث عن معين في هذه الورطة في ظل الشح المالي في البنوك و كان سعر سهم الشركة 40 دولارأ حينئذ، فكانت الكويت هي أول الابواب المالية التي اتجهت نحوها وطرقتها تم عرض شراكة “الكي داو”. 
ما هي صفقة الكي داو؟ 

تقدمت شركة الداو وعرضت على الكويت الشراكة في 50 % من اسهم شركاتها التي تنتج مواد “بوليثيلين” و”بوليبروبنيل” و “ايثيل امين” و “آيثانوميل” حول العالم، وكان التقدير المالي لها عالياُ جدا مبدئياً، حيث كانت قيمة المصانع 19 مليار و تم تخفيضها الى 17 مليار على ان تدفع الكويت 7 مليار نقداً من اجل الحصول على نصف هذه المصانع، ومن المهم ان نلاحظ أن الكويت تدخل في شراكة بمصانع خارجية فلا يتم لنا الاستفادة من التكنولوجيا لأننا لم نبنِ اي مصانع في الكويت كما هو في إيكويت وإنما هو استثمار خارجي في مصانع قد تكون مما لا يحتاجه السوق العالمي خصوصا بأن شركة الداو ارادت ان الانتقال الى ما هو افضل على حساب ادخال الكويت في ما يحتمل الخسارة المستقبلية، حيث كانت شركة داو ستستخدم ال 7 مليار للاستحواذ على شركة روم فيما كان سعر اسهم داو قد هبط الى نصف القيمة ببلوغه 20 دولاراً خلال نصف السنة من عام 2008، كما سنعلم لاحقا بأن هذه المصانع تعرضت لخسائر فادحة سنعلم تفاصيلها.

وقد علق مدير شركة داو على موضوع الشراكة بأنه “عقد مدهش”! فهو مندهش و سعيد بهذه المساعدة الخيالية في هذا الوقت الصعب.
الشرط الجزائي
من الغريب وجود شرط جزائي بهذا الارتفاع حيث تبلغ نسبته 12% من قيمة العقد في حين كانت داو قد وقعت عقدها مع روم بنفس المبلغ ونسبة الشرط الجزائي 7% بقيمة 750 مليون دولار، وهنا يكمن الخداع من جانب داو و”الغفلة” من جانب المسؤولين في القطاع النفطي..  كيف يمر عليهم امر بمثل هذه الاهمية؟ أم انهم أرادوا جعله ورقة ضغط على الحكومة؟ أو ربما كانوا واثقين بمرور العقد بدون تعطيل،  وهذه الجزئية لن نعلمها ابدا لأن كل شخص سوف يبررها كما يشاء، إلا أن الحقيقة هي الفرق الشاسع بين شروط الجزاء المعتادة وما هو فوق العادة.
التدخل السياسي من التكتل الشعبي 

عندما تم أثير موضوع الداو في جريدة “الآن” و من بعدها في جريدة الوطن تباه نواب كتلة العمل الشعبي وكذلك العضو السابق صالح الملا،  ففي منتصف 2008 (قيمة اسهم داو هبطت إلى النصف) تدخل الاعضاء و حذروا الحكومة من إتمام هذه الشراكة المشبوهة، فقد تراجعت قيمة اسهم داو الى 6 دولار في اول 2009 ، عندها قررت الكويت الانسحاب من هذه الشراكة المكلف،  لم يتحرك الاعضاء عندما وقعت الكويت شركة إيكويت ولكنهم تحركوا عندما شاهدوا الامور تذهب الى ما لا تحمد عقباه، ولكي نحكم على الاعضاء إن كانوا مخطئين ام مصيبين دعونا نتعرف على وضع المصانع حاليا و وضع الشركة و هل صحيح أن السعودية حصلت على صفقتنا لأننا غفلنا عنها.
ما بعد الصفقة

قيمة السهم الحالي للشركة يعادل 30 دولاراً ولكنها مدينة و مطلوبة وقد تم إنهاء خدمات 900 موظف في ابريل الماضي، كما أن لديها خطه لإغلاق مصانع في العديد من الدول و تخفيض معدل الانفاق سنويا بقيمة 250 مليون،  فهل تعتبر هذه الشركة رابحة؟ قد تكون رابحة في بعض المجالات ولكن في مجالات اخرى تعتبر خاسرة كما سوف نرى بأن المجالات التي كانت ستدخل الكويت فيها تعتبر من المجالات الخاسرة في هذه الشركة.
في عام 2010 تم اغلاق اكبر مصنع لل “بوليثيلين” (الذي كانت ستشتريه الكويت) في الارجنتين.،كما اضطرت الشركة في عام 2009 إلى إغلاق 3 مصانع في لويزيانا لتصنيع “ايثيل امين” حيث كان من ضمن قائمة المواد التي كانت الكويت ستشتريها.
داو والسعودية

الحكومة السعودية ممثله بارامكوا لم يكن لها تاريخ قديم مع داو كيميكال و لكن القطاع الخاص السعودي تعود علاقته مع داو الى عام 1976 بيد أنه في منتصف عام 2011 تقدمت السعودية وداو بالإعلان عن انشاء شراكة تحت اسم شركة “صدارة” ولكن الفرق بأن السعودية لن تستحوذ على اسهم مصانع كما فعلت الكويت ولكنها سوف تبني 26 مصنعاً داخل المملكة هو حاصل لدينا في إيكويت وغيرها، و كذلك تقدمت داو بطلب سلفة مالية من السعودية بقيمة 2 مليار تحت بند المشاركة بشركة “صدارة” وذلك لتغطية ديونها كما صرح بذلك الوزير السعودي في عام 2012 حيث اعلن بأن قيمة الشراكة 20 ملياراً وقد علق رئيس شركة داو على هذا الموضوع “سهولة التعامل التجاري في السعودية” بعد ان حصل على المليارين.

فمن يروج عن ان السعودية استحوذت على المشروع و انها اخذت داو بعد ان رفضناها؟  لنعلم بأن المشروع الذي تقدم لنا هو شراء مصانع حول العالم و اما السعودية فقد بدأت ببناء المصانع داخليا من اجل انعاش اقتصادها، ومن اراد الازدهار للكويت فليدعم مشاريع الصناعة الداخلية كما هو حاصل الآن في الكويت.
هدية خفية من الكويت

لكن العجيب الذي خفي علينا جميعا بأن الكويت قد مولت شركة داو من اجل اتمام عقد شركة روم من خلال الاستثمارات كما هو مذكور في العديد من المواقع الاقتصادية الامريكية و كان استثمارنا بقيمة مليار دولار.. نعم، مليار دولار هو قيمة التمويل و قد علقت المواقع بأن الكويت استثمرت لأنها شعرت بالذنب بسبب فسخ العقد مع داو كيميكال، و الآن نخسر 2.2 مليار قيمة جزائية مضاف اليها المليار السابق الذي دفعناه في عام 2009.
الخلاصة
قد يعتقد البعض بأننا اضعنا فرصة استثمارية كبيرة في الخارج ولكن اقول لهم لو أننا استثمرنا هذه الاموال في الصناعات  المحلية لجعل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً لكان افضل لنا،  فقد يختلف البعض مع ما كتبت ولكنني اشهد الله بأنني تحريت الدقة في الموضوع من اجل ايضاح المسألة ورفع الحسرة عن شعبنا الكريم و أقول لهم “لا خير في داو ليست بداري”.
م. أحمد الكوح
عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التكنولوجية