التاريخ مليء بالعبر والعظات لمن قرأه قراءة المستبصر لا قراءة المتسلي…فأحداث التاريخ إذا تشابهت وتوافقت أسبابها ستعطي نتائجاً متشابهة على اختلاف الزمان وتفاوت المكان…وقد نوّه الله عز وجل في كتابه الكريم بفضل علم التاريخ بقوله:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإنْجِيلُ إِلا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ }
يقول العلامة السعدي في معرض استباطه لفرائد هذه الآية:
(وفيها أيضا حث على علم التاريخ، وأنه طريق لرد كثير من الأقوال الباطلة والدعاوى التي تخالف ما علم من التاريخ)
فالتاريخ مدرسة لا يكاد يفر منها أحد…ولكن السعيد من نجح في اختباراتها ولم يخفق فيها…؟!!
من الأحداث التاريخية التي تحتم علينا قراءتها بتأنّي الثورة العُرابية…!!
فدوافع هذه الثورة شابهت دوافع كثير من الثورات ولكنها اختلفت في شخصية القائد…فأحمد عرابي كما ذكر المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في كتابه (الثائر أحمد عرابي) شخصية مليئة بالمتناقضات وكان يملك (كاريزما) جبّارة…وقدرة خطابية مكّنته من جمع الضباط والجماهير حوله…ولكن هذه الصفات ليست كفيلة بالوصول للهدف كما يتصوّر البعض…فقد تكون هناك صفة واحدة سلبية تقضي على كل هذه الصفات الإيجابية…وهذا بالفعل ما حدث مع أحمد عرابي…فقد كان مغروراً إلى درجة جعلته لا يدرس عواقب ومآلات الأمور بشكل يصب في صالحه…حتى آل به غروره إلى الأسر والنفي والذل…وبعد رجوعه لم يكتفي بالصمت بل أخذ يجامل الإنكليز بتصاريحه ولقاءاته الصحفية التي جعلت المؤرخ عبدالرحمن الرافعي يتمنى لو أن أحمد عرابي انحاز للعزلة والصمت والبعد عن الأضواء كما فعل رفيق دربه في النضال محمود سامي البارودي…؟!!
وهكذا حال كل معارضة يصيبها الغرور ولا تقرأ المشهد السياسي قراءة دقيقة تساعدها على استشراف المستقبل بشكل واضح…وتكتفي بالتهديد والإستهانة بالخصم…فسيكون حالها كحال عرابي أو البارودي تضطر بعد أن يفوت الأوان إلى مجاملة السلطة أو الصمت والإعتزال…وحسبك من هزيمة يكون فيها صمتك واعتزالك العمل السياسي هو أفضل الحلول لديك والسبيل الوحيد لحفظ ما تبقّى من كرامتك…؟!!!
فلابد للمعارضة أن تعي خطورة الأحداث وجسامة الخطب وأن تقدّم بعض التنازلات وتكون هذه التنازلات بمثابة الإنحناء للعاصفة حتى تفوّت الفرصة على المرتشين وأصحاب السوابق وأن لا تكون سلبية حتى في معالجتها للأخطاء…؟!!
تويتر:a_do5y
عبدالكريم دوخي الشمري
أضف تعليق