من يقرأ التاريخ يكاد يجزم بأن الثورات التي استطاع الثوار بعدها القبض على زمام الدولة وتطويع الجماهير لها هي الثورات التي أريقت فيها بحور الدماء كالثورة البلشفية وغيرها من الثورات المعاصرة كالتي حدثت في العراق، أمّا الثورات التي تُغرق في المثاليّات وتبيع الأوهام على الجماهير فلم تنجح منها ثورة وظلّت الدول بعدها في حيص بيص لا أمن ولا سبل لتحصيل لقمة العيش، وأصبحت الجماهير فيها تعيش حالة يأس وتتطلع للمنقذ، والمنقذ في ظل هذه الظروف لا يكون إلا ما اصْطُلح على تسميته بالمستبد العادل، فحالة التشرذم العامة والتشظّي الذي يعيشه الناس لا يمكن أن يقضى عليه بالخطب الرنانة والكلام المعسول.
فهنا لابد من الحزم المفرط لتنقاد الجماهير للطاعة، وقد يصل الحال إلى ولادة طاغية جديد، فمن رحم الفوضى يولد الطغاة التي تركن إليهم الجماهير بعد أن ذاقت مرارة الفوضى وانعدام الأمن، ويعود الناس بعد هذا إلى المربع الأول مع طاغية جديد قد يكون أظلم من الطاغية الذي أزاحوه، ويوقن الناس بأن التضحيات والدماء التي أُريقت ذهبت هدراً لأنها تعلّقت بالأوهام وركضت خلف المثاليات البعيدة عن الواقع، وجزمت الناس بأن الصبر على أوضاع متأرجحة بين الحسن والسوء خير من القفز نحو المجهول، كما حدث في بعض دول الربيع العربي.
بقلم.. عبدالكريم دوخي الشمري
تويتر:a_do5y
أضف تعليق