كتاب سبر

السياسة والنقد

لا يختلف عاقلان على أهمية النقد البناء في بناء الأمم ومكانته بين مقومات الحضارة، فالنقد أهم الوسائل التي نستطيع بها التفريق بين الصواب والخطأ ونميز بها بين النافع والضار، ولم تتقدم أمة من الأمم وتنال الريادة في مضمار التنافس الحضاري إلا عندما رفعت من مكانة نقّادها وأصغت لهم إصغاء المسترشد المستفيد؟
والأمم التي تتحرج من النقد وتسعى دائما لإسكات نقّادها ستبقى مدى الدهر عاجزة عن مواكبة التقدّم الحضاري الرهيب.
ولكن النقد كغيره من الوسائل التي يتوقف نفعها على حسن استخدامها، فالنقد الذي يفتقد لشروط وأركان النقد البناء يكون أقرب إلى السب منه إلى النقد.
ومن أهم الركائز التي يقف عليها النقد البناء الحيادية، والحيادية مطلوبة في جميع الميادين على اختلافها ولكنه في ميدان السياسة أهم، لأننا نراه مع الأسف شبه معدوم في نقادنا السياسيين لأنهم مع الأسف لم يستطيعوا التجرّد من ميولاتهم السياسية، والسياسة ميدان فسيح مليء بالرذائل التي استطاعت تغييب فضائله إلى حد كبير، والخوض فيها يسلب من نقاء الخائضين شيئا من نقائهم سينعكس ويظهر في سلوكيّاتهم، لأن السياسة ليست كالترسبات الفكرية التي لا يستطيع الإنسان التخلص منها بسبب ظروف نشأته الاجتماعية والثقافية، فهذه الترسبات الفكرية يمكن تجاوزها إذا حرص الناقد على ذلك، ولكن السياسة ميدان تنافس يسعى كل شخص فيه لإسقاط خصمه أو على أقل الأحوال تحجيم مكانته، لذلك كان نقّاد السياسة في الغالب يسعون لهدم الخصوم وتشييد الأمجاد على ركامهم.
وهذا ليس إسقاطاً لكل نقد سياسي ولكنه ملحظ يؤخذ بعين الاعتبار عند نقد نقدهم، وهو مع ذلك ليس سبباً لتهميش النقد كليًّا لأن الشخص الذي يريد أن يطوّر من نفسه باستمرار ولا يقف عند محطة معينة عليه أن يتجاوز القرائن التي تحتف بالناقد وتشي بعدم حياديته إلى حقيقة النقد والانتفاع به، وعليه كذلك ألا يضع كل من ينقده في سلّة واحدة حتى لا يصعب عليه التفريق بين نقد الصديق والعدو.
عبدالكريم دوخي الشمري
تويتر:a_do5y

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.