د. غانم النجار
نصف حكومة
مضى أكثر من شهر على استقالة الحكومة الكويتية، دون أن تلوح في الأفق بارقة أمل لتشكيلها. الشعور العام هذه المرة هو عدم الاكتراث بتشكيل الحكومة، بل إنني لم أواجه أحداً، كالعادة يسأل عن طبيعتها، أو حقائبها، أو إن كانت ستُنجَز أم لا.
هل يحق لنا وصف أن لدينا «نصف حكومة» فقط أم «ربع حكومة» أم «صفر حكومة»؟ هل من الأفضل ألا تكون لدينا حكومة على الإطلاق، فالبلد يسير بالبركة على أية حال، فما حاجتنا إلى حكومة بالأساس؟!
فكرة «نصف الحكومة» ذكرتني بنَصٍّ منسوب إلى الأديب جبران خليل جبران، وهو نص لا علاقة له بالحكومات، ولكن بأنصاف الأشياء حيث يقول: «لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتَّ… فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمتَ فتكلم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت، إذا رضيت فعبِّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت… فعبِّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول… النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها، وهو ابتسامة أجلْتَها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها، النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك، النصف هو أن تصل وألا تصل، أن تعمل وألا تعمل، أن تغيب وأن تحضر… النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت… لأنك لم تعرف من أنت. النصف هو ألا تعرف من أنت… ومن تحب ليس نصفك الآخر… هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه!! نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك، نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة… النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز… لأنك لست نصف إنسان، أنت إنسان… وُجدتَ كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف الحياة!!».
بالطبع ليس المطلوب هنا أن نتفق مع النص الأدبي أو لا نتفق، فالنص الأدبي هو للاستمتاع والتذوق كالموسيقى، إما أن تستمتع بها أو لا تستمتع.
نعود إلى حكومتنا النصوف، هل هي نصف رشيدة، أم نصف نزيهة، أم أنها أقل من النصف بكثير، فإن قلنا إنها هي الحكومة السابعة فإن نصفها لن يكون رقماً صحيحاً… وهل ينسحب عدم الاكتمال ذاك حتى على مجلسنا وقوانا السياسية وإعلامنا؟!
نحن أمام مأزق أنصاف الحلول، فلا يمكن أن تستمر الأمور بنصف ديمقراطية، ونصف مجتمع، ونصف سياسة، ما لم تكتمل الصورة ونتجاوز النصف حتى ولو بقليل، فإنه من غير الممكن العبور، وربما نغرق أو على الأقل نتجمد كما نحن بأكملنا، ولا نسمع لنا إلا أنصاف أصوات، ويأكلنا الغبار والطوفان.
أضف تعليق