إبراهيم عيسى
بهجة الغاضبين
كنت أقول للآلاف المتحلقين حولى من المتظاهرين والمعتصمين نهار الأثنين 31يناير 2011 فى ميدان التحرير إن السؤال لم يعد هل سيسقط نظام مبارك بل متى سيسقط نظام مبارك ؟
يحاول البعض أن يسمع بوضوح وأحاول أن أرفع صوتى لأوضح:
لقد سقط جهاز مبارك الأمنى البوليسى وتهاوى فى ست ساعات وسقط حزب مبارك واحترق فى لحظة وسقطت هيبة مبارك أمام عيونكم وفى هتافاتكم وشعارات مظاهرات ملايين المصريين، فبقى أن يسقط مبارك نفسه
وكانت الردود متقاطعة ومتداخلة:
وماذا نفعل ؟
فكنت أجيب:
كل ساعة فى ميدان التحرير تختصر يوما من أيام نظام مبارك الباقية.
فيدوي الهتاف قادماً من مسيرة آلاف تشق طريقها فى قلب الميدان بين المتظاهرين:
مش ح نمشى هوه يمشى
كان الهتاف مبدعاً وحاسماً وفيه من روح معيلة عنودة تواجه شيخوخة بليدة ، كنت تسمع من يقول: هوه دماغه ناشفة وإحنا أنشف ، وكنت تسمع وترى عشرات الهتافات والشعارات التى كانت تلخص حضارة سبعة آلاف سنة خلال ثمانية عشر يوما، هذا الشعب الصبور حتى التلامة فى تحمل الظلم لايرحم حين ينفجر، لا تأخذه شفقة، لكن ثمانية عشر يوماً كانت كفيلة بتفسير آلية الثورة ضد الحاكم عند المصريين، أولا الشعب يختار الموعد ولو على أهون سبب وفى مناسبة لا تفرق إطلاقاً عن سوابق لها سكت فيها ومررها بلا غضبة ولا انتفاضة ولا حتى عتابا !
ثانيا هو شعب يعرف أن أنفاسه قصيرة ولا يمكث طويلا فى الميدان وليس له فى الحروب الطويلة منتصرا أو مهزوما ولا فى الثورات الطويلة ناجحة أو فاشلة ، لهذا هو يقضى على خصمه الفرعونى هنا بسرعة شديدة لأنه لا جولات فنية بل قاضية ، لهذا كان يرفض أى التفافات على الطريق القصيرة للتغيير “هو يمشي.. إحنا نمشي”.
هو ثالثا مستعد أن يموت ولا يرفع صوته فى مواجهة حاكمه لكن لو رفع صوته فإنه مستعد أن يموت فى مواجهة حاكمه.
ثم هو رابعا لا يمكن أن يتنازل عن خفة ظله التى تساعده على الاستمرار فهى بمثابة طاقة مساعدة تجديدية تزوده بالوقود لتشغيل الغضب، إنه يتبع استراتيجية إسقاط هيبة فرعونه قبل إسقاط كرسيه، وهذا بالضبط ما جعل المصريين يضربون هيبة مبارك فى مقتل ويحولونه إلى أداة للسخرية السوداء الجارحة المحطمة للهيبة والمكانة، التى تنال من الرئيس فتجعله عادياً ومضعضعاً وساقط الإحترام والتقدير ومناطاً للسخرية، فيتجرؤ المتظاهر عليه وتنكسر صلابة الرئيس فى عيون مؤيديه أو الخائفين منه ومن سلطاته، خلاص رئيسك بيتهزأ ما الذى تنتظره إذن إلا أن يسقط، فلا يمكن أن يعيش رئيس فى حكمه بعدما بات سخرية الساخرين وموضع تطاول شعبه تنكيتا وتبكيتا !
شعب خفيف الظل يثور فى منتهى البهجة ، كأن ما يجرى هو نوع من بهجة الغاضبين فيما لا يمكن أن ترى له مثيلا فى العالم ..إلا عندنا.
خفة الظل التى لم تكن فى حاجة إلى أن تجهد نفسك كى تتأملها فهى تحضرك وتحضنك من اللحظة الأولى، فضلا عن أنها كذلك تعبر عن جيل شاب تهكمي علمته رسائل المحمول الكثافة والاختصار والترميز والتشفير فى الكتابة وتدرب فى حوارات التشات والأيميلات على التهكم والتريقة والضرب الخشن على مواجع الألم بسخرية لاتشعر بأى شفقة، فيها من خفة ظل الشباب وعدوانيته كذلك..
نظام مبارك سقط بالسخرية قبل أن يسقط بالتنحي أو التخلي!
أضف تعليق