كنت دوما أؤمن بمقولة الألباني رحمه الله: ( من السياسة.. ترك السياسة) .. إذ يمكنك أن تكتب بمحاذاة ما يحدث مما يؤثر في الناس مباشرة، عن أشياء تلامس شؤونهم الصغيرة… لتكون مفتاح التغيير الكبير..
لكني أطالع الكويت كل صباح.. فأتحسر على هذا الحزن المنثور في كل شوارعها، وكل هذا الترصد من كافة الأطراف على بعضها…
فأقول: أليس من المحزن أن تتشوه الصورة الجميلة لبلد رائع ونادر … وأن تأتي أيدي العبث فتصبغ فوق اللوحة عبارات التفرقة التي ستجرف الجميع إلى منحدر لا تقوم لهم بعده قائمة…
ولو أن شخصا ما طالع الكويت من بعيد وصنّـفها وفق ما يقول كل الأطراف، وما يكتبه الإعلام… سيجد أن هذا المجتمع الذي تآخى سنين طويلة… أصبح كالآتي:
• مجموعة من التكفيريين الإرهابيين (القاعديين) الذين يريدون أن يخنقوا المجتمع وينشروا فيه الرعب
• مجموعة أخرى من المزدوجين أصحاب الشمغ الحمراء ذوي الولاءات الخارجية
• مجموعة من الكويتيين البدو الذين تغلغلوا في الوزارات وشكلوا طوفانا يريد السيطرة على الوظائف
• مجموعة من الحزبيين المعممين ذوي الولاءات الفارسية الذي يسعون إلى احتلال البلاد
• مجموعة التجار ذوي الدماء الزرقاء الذين أكلوا الأخضر واليابس ولا يريدون لأحد أن يشاركهم في (اللقمة الكبيرة).. ولا الصغيرة!
• أصحاب نظرية (داخل السور ) الذين يرون أن الكويت لهم وحدهم.
• الطراثيث من خارج السور الذين يستخدمون الجنسية وسيلة للحصول على امتيازات.
• ليبراليون علمانيون يحاربون الدين ويبثون الفساد ويسعون إلى تحلل المجتمع.
• بدون بعثيون حضروا إلى البلد من البر والبحر والجو… ولا حق لهم في المواطنة (ويجب دفنهم أحياء).
• مجموعة من الشيوخ الذين فرغوا القوانين من محتواها وعصفت صراعاتهم بالبلاد والعباد.
• مجموعة من المرتزقة الانبطاحيين الذين يعرضون ذممهم للبيع في كل مناسبة بثمن سيارة أو مزرعة أو شيك.
• مجموعة من التأزيميين ذوي الصوت العالي الذين ينقلون البلد من أزمة إلى أخرى.
هل يعقل عاقل ويصدق أن هذه هي الكويت؟
وماذا بعد؟
ستطول القائمة … وينشر الإعلام ما هو أكثر من ذلك من اتهامات متبادلة بين كل الأطراف… حتى عمّت حالة (التصيد) وتربص الخطأ من الآخر والتحفز للهجوم … فأصبحت القلوب مشحونة… بالكره والغل!
وهذه ليست هي الكويت… البلد الطيبة الكريمة التي استظل بمظلتها الجميع فعاشوا سالمين آمنين.
فهنا أناس طيبون كريمون متسامحون لاذوا بالصمت بانتظار انفراجة يقوم بها رجل رشيد ينزع فتيل التوتر ويوحد الناس على كلمة سواء تنقذ البلد من الوقوع في الهاوية.
الكويت بلد خير يغطي خيرها الجميع ويكفي رزقها كل من فيها من مقيمين ومواطنين… لأنها الكويت التي لجأ إليها الفلسطينيون منتصف القرن الماضي فكانت لهم البيت البديل.
وهي الكويت التي استقبلت الهجرات الجماعية من الأربعينات إلى الثمانينات من كل الدول المجاورة: السعودية، ايران، العراق… فوحدت الكل بهوية واحدة… علمتهم وهذبتهم وثقفتهم وأحبتهم وأحبوها.
.. الكويت ليست لأحد… لا لطائفة ولا لحزب.. ولا لشيوخ… ولا لتجار…
الكويت للجميع… وهي لعيون أطفالنا البريئة ولآمالهم البعيدة ولطموحاتهم البيضاء الجميلة.
والعبث بالكويت هو عبث بمستقبل أطفالها…
والذين يتعاركون اليوم ويتصارعون ويكادون يأكلون بعضهم… ذاقوا حلاوة نعيم الكويت وخيرها ودفئها وسماحتها… فليتركوا البلد كما هو لينعم به من بعدهم… فلا يشوهوا الجمال ولا يحرموا الصغار من مستقبلهم..
ألم تكن النفوس في احتفلات فبراير في أجمل وأروع حالاتها… ألم يكن من الممكن أن تستمر كذلك؟
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : ” وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ”
الكويت بلد رائع يستوعب الجميع… (لكنه الحسد… قاتل الله الحسد)!
…
فما هي إذن الأشياء الصغيرة التي تمس الناس مباشرة وعلينا الالتفات إليها لتكون مفتاح التغيير الكبير..
في المقال المقبل إن يسّـر الله…
أضف تعليق