كتاب سبر

ليبيا ولعنة النفط

إن آلة النفط والموت لاتنفكان عن بعضهما، فأينما وُجد النفط المُستباح وُجِد الموت المُستباح، وأصبح هنالك تلازم بين أن تكون البلد بلداً حباه الله بثروة وبين الأطماع الخارجية، والأمثلة على ذلك كثيرة، فالعراق احتلت لثروتها النفطية، وأفغانستان احتلت بسبب ثرواتها الهائلة من اليورانويم والذهب والبترول وكميات ضخمة من المعادن بينها النحاس والليثيوم تقدر قيمتها بترليون دولار. وكذلك الصومال فلقد حُطّم هذا البلد بسبب ثرواته من اليورانيوم والغاز الطبيعي والبترول، ولا تختلف ليبيا وهي البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وتصدر 1.6 مليون برميل يوميا، وتحتل المركز السابع عشر بين أكبر منتجي النفط في العالم وهي ثالث أكبر بلد منتج في أفريقيا وتحوز على أكبر احتياطيات من النفط الخام في القارة الأفريقية عن هذه الدول. فالسُعار المادي العالمي لا تعنيه الديمقراطيات العربية بشيء ولا المواطن العربي فسلّم أولوياته هو المصلحة المادية البحته، وحينما يجد أن مصلحته في دمار هذا البلد أو ذاك فإنه لايتورع عن الدخول في أية لعبة سياسية أو حرب أهلية لكي يستفيد من ورائها، ولكن دائماً ما يكون هنالك تقاطع بين التوجة الغربي في بلداننا العربية وبين المواطن العربي المغلوب على أمره، لأنه لايجد المخرج إلا بالوجود الأجنبي وبدون التفكير بما يجلبه من ويلات. 

المُتتبع للحرب الأهلية القائمة في ليبيا، البلد العربي الشقيق، يجد أن هنالك مُحرك خفي وراء الأحداث وهذا لا يخفي حقيقة القمع الذي يعيشه الشعب الليبي ولكن لم تكن الأجندة وطنية واضحة المعالم، ولكن دخلت أجندات خارجية نفعية أشم من ورائها رائحة النفط الليبي. إن حرب الاستنزاف التي تقودها فرنسا أصبحت واضحة للعيان، ففرنسا تستنزف الشعب الليبي وأيضاً تستنزف السلطة الليبية من خلال حرب خجولة، فلا أستطيع أن أتخيل كيف أن حلف الناتو بكل ثقله لايستطيع الإطاحة بقوات أسموها بكتائب القذافي!!! هل يُعقل أن حلف الناتو بما يملكه من تكنولوجيا وأسلحة متطورة لم يحقق نتائج على الأرض الليبية؟ إن هذا السيناريو مُعاد جداً فبالأمس القريب عايشنا هذا السيناريو في العراق فلقد إستنزفت الولايات المتحدة الأمريكية العراق حكومةً وشعباً إلى أن أوصلتهم لمرحلة القبول بأي قرار أو حل أو عقوبة، وهذه سياسة النفس الطويل التي يمارسها الغرب فهو ليس لديه مايخسره على الأرض وليس لديه طفل أو إمرأة أو شيخ يُعاني من القصف والترويع والقتل البارد.

اللافت للنظر أن القوة العظمى واللاعب الرئيسي في حلف الناتو وهي الولايات المتحدة الأمركية دخلت في لعبة الحرب على ليبيا لمدة لم تتجاوز أسبوعين ثم انسحبت وأعطت القيادة لفرنسا. إن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مبنية على عقلية واحدة وهي أن لا شيء إسمه خسارة في القاموس الأمريكي، لذلك فإن دخول الولايات المتحدة في حرب على الأرض في ليبيا ستُثير المواطن الليبي قبل المواطن العربي، ولن تكون مقبولة خصوصاً بعد تجربتها في العراق وفضائح التعذيب والاعتداءات وبلاك ووتر وغيرها، لذلك فإن هنالك تبادل للأدوار بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وأيضاً وجود الضامن والوكيل الدائم في العالم لأمريكا وهي بريطانيا، مع الأخذ بعين الإعتبار والحقيقة الثابتة وهي أن المُحرك الأول لحلف الناتو والغرب هي الحصص النفطية وإتفاقيات الشركات البترولية من خلف الكواليس.

إن المأزق الليبي يمر بمنعطفات كثيرة فلم يحقق الطرفان أي نصر يذكر ولكنها كانت ولازالت حرب كر وفر, ولازلنا مابين مصراته وباب العزيزية منذ اليوم الأول لإندلاع الحرب الأهلية في ليبيا، وتحولت الأزمة الليبية إلى حرب إعلامية مدعومة من جهات عدة ومصالح متشابكه أبعد من أن تكون في إتجاة المطالب المشروعة لكل مواطن بالعيش الكريم والديمقراطية والحرية، ولكنها حرب تستنزف شريان دم المواطن الليبي لكي يصب بترولياً نقياً رخيصاً بالجهة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط وفي إيطاليا وفرنسا وإنجلترا وبالتأكيد الولايات المتحدة الأمريكية.

ستتحول ليبيا في المستقبل القريب إلى شركة نفطية اختلف مجلس إدارتها، وعلى الشركات الغربية الكبرى إنقاذها، وستوافق قوى المعارضة الليبية بأي عرض غربي وبأي سعر كان، وسترضى القيادة الليبية باي إتفاق ينقذ عنقها من الأزمة الحالية وفتح حساب نفطي جاري للدول الغربية.

[email protected]

http://twitter.com/#!/HassanAlfadli

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.