“استووا” هذا مايقوله الإمام قبل الشروع في الصلاة ” استووا” ولم يقل “تساووا”، لأننا نعلم أن الصفوف المستوية للصلاة لايمكن أن تكون متساوية في الخشوع، ورب مصلٍ بآخر الصفوف هو أكثر خشوعا وإيمانا من الإمام نفسه، والله سبحانه يريد أن يُعلمنا شيئا، وهو الذي خلقنا “شعوباً وقبائل”، ولو أراد لكنا “كلٌ له ساجدون”، فالاختلاف فطرة وحق، بدءاً من الدين وانتهاء من بكل ذائقة من مأكل وملبس، والمراد هنا هو الاختلاف بمعنى الثراء والتنوع وليس بمعنى التضاد والفرقة والحقيقة إننا في الكويت سياسياً لسنا مختلفين بالشكل الكافي، إننا متشابهون أكثر مما نتصور، ودعك من التصارع والتضاد الموجود على السطح، فما دمنا في ((سبر)) فلنأخد من اسمها شيئا ولنسبر ونستطلع الاختلاف السياسي ونسبر الى الداخل أي إلى العمق وليس إلى الأمام الذي لا يقودنا إلى مزيدٍ من السطح.
و أولى ضربات المعول تكشف لنا أن القراءه متوقفة في المشهد السياسي على نقطةٍ واحدة، وهي الموقف من الحكومة. فنحن متشابهون في أن اختلافنا لايخرج عن “مع الحكومة” أو “ضدها”، ويكفي هنا أن تغير شيئا منها أو فيها حتى ينقلب المشهد برمته ويغير الفريقان ملعبهما، وهذا ينقذ الحركات السياسيه والنواب من أسئلة جوهرية تتعلق بالبرامج الانتخابية، فيكتفون في برنامج “نحن عارضنا” وعلى الجانب الاخر “نحن خدمنا”، وهذا فقرٌ مدقع في المفهوم السياسي، وهنا كلنا متشابهون فقراً ومركز الثراء المفقود أن عمق العمل السياسي يفترض في الضرورة أن يكون مايطرح خارج قبة المجلس لايقل أهمية عما يطرح داخلها، فنحن في حاجةٍ لإعادة الهندسة مابين الصوت والصدى ليكون لدينا شارع سياسي من الوضع المتمثل بالمجلس، بدلا من أن يقود العمل قام بالاستيلاء “عليه وأن المجلس الآن بمثابة “الأم” للعمل السياسي ولابد من “فطام” بينهما تمهيداً لإعادة الوضع المفترض وهو أن يكون المجلس ابناً للشارع وليس العكس.
الكويت دولة غنية ولا يكفي هنا الوقوف على مستوى دخل الفردي للايمان في ثرائنا و “الفرودس المفقود” في هذا الثراء، هو غياب وفقر الهوية السياسية لدينا كأفراد، وبالتالي كمجتمع جعل بوصلة الاختلاف إما يمين الحكومة أو يسارها والفرد في الكويت في بداية وعيه السياسي يجد نفسه بلا إرادة منه أمام كيانات فردية مهما عظمت فهي لن تحقق له الانتماء المطلوب سياسيا، فهو كفرد أصبح يعطى الموقف لكنه لازال بعيدا عن امتلاكه فهذا الكيان الفردي وهو النائب يفترض أن يكون الممثل فقط في المشهد الدستوري فإذا به يكون الممثل والمخرج والمصور وكل شيء ماعدا المتفرج، تركوه لهذا الشاب وأحيانا يفقد حتى حق المشاهدة. والنائب دستوريا ممثل فقط ويجب إعاده الأدوار الأخرى لأصحابها حتى يفرز المجتمع المخرج والمصور لكن أن يترك لنا دور فعلي واحد “المنتج”، واليوم واحد فقط وباقي السنوات متفرجين. هذا فقر بالمشاركة وهذا الوضع المتدهور من الإحساس بانعدام التاثير أنتج حالة من الاستقاله من شأن العام لدى الكثيرين أنتجت بدورها مسافة بين ماهو عام وماهو شخصي فأصبح الفرد ينتفض لمعاني القبلية والطائفية ولا يبالي بأخرى كالحريات والحقوق السياسية اصبح الانسان لدينا “شخصيا ” في شقه العام كانه يردد “صباح الخير يا وطني انت في دارك وانا في داري “، وفي ظل هذا العزوف اصبح الحديث عن ارادة شعبية شيئ من العبث حتى عندما تتطل المادة السادسة من دستور الدولة وهي تصف الشعب بأنه مصدر السلطات فهناك مايمكن تسميته بدستور المجتمع و اولى مواده تقول ان شان العام متروك ل”موسى وربه” اما نحن “إناهاهنا قاعدون” موسى وربه هم من في المجلس.. من في المجلس فقط.
الذي يعنيه كل هذا هو اختصار المشهد في أجندة حكومية تقابلها أولويات نيابية الذي يعنيه هذا اننا أمام سلطة حكومية تقابلها صلاحيتها نيابية أما مصدر السلطات فقد توقف نموه عند شهادة الميلاد وأصبح الحديث عن الانجاز يقف عند عدم الشهادة الاخرى.
فما علاقة كل ماسبق فصفوف الصلاة المستوية شكلا والمختلفة مضمونا؟ كانت الاجابه في صفوف ساحة الارادة والاخرى التي نادت لرص الصفوف في ساحة الصفاة اختلفت الايمانيات لكن على الاقل أقيمت الصلاة .. خرج الكثير اليها.. لم نعد نصلي فرادى وافترق النواب هنا وهناك وخرج سمو الرئيس عن خشوعه بتصريح وأصبح يصلي معنا فما بين الارادة والصفاة لم يعد الحديث عن الايمان بالوطن علاقه بين النائب والحكومة فقط نحن أصبحنا الان كشعب نوعا ما مصدر الايمانيات ولم نكن ننادي برحيل الرئيس مثلما كنا ننادي بالرجوع لدورنا.. مختلفين لكن فاعلين.
* أتشرف بالإطلالة الأولى عبر ((سبر)) وأشكر القائمين عليها على الفرصة، وأردد ماقاله أحدهم : ليس باستطاعاتي أن أكتب القصيدة الشمس تلك التي تشرق كل يوم دون أن نملها لكن هي حرائق متفرقه هنا وهناك ضوئها لمن أراد وسعيها لحمي وعظامي.. وتبقى مجرد بنات أفكار.. فرفقا في القوارير ..
أضف تعليق