… لو تحدثت عن جبل المقطم فأنا لا أتحدث عن مصر وحدها بل عن تاريخ عربي يطول، ولو انتقدت الإخوان المسلمين فلست معنيا كذلك معنيا بمصر وحدها، بل الإخوان وما يمثلونه من تيار وفكر هم جزء من كل تاريخ عربي حديث.. وفي المقطم شجون متباينة من التاريخ، فالصخرة نظر من فوقها مجنون الحكم وهو يحرق القاهرة، والصخرة أوصى سيدي وسيد أهلي عمرو بن العاص بدفنه عند السفح، والصخرة مطلة على قلعة الجبل وكواليس مئات السنين من حكم مصر ومن تعذيبهم والصخرة هي مدفن المصريين المقدس ففي جوفها عظام متناثرة في مقابر جماعية لضحايا الإخوان واليساريين ممن قضوا نحبهم بآلة التعذيب الناصرية، وسجلها الدكتور يوسف القرضاوي في نونيته :
“سل (المقطَّم) وهو أعدلُ شاهدٍ/ كم من شهيدٍ في التلالِ دفينِ
سحقًا لجزارين كم ذبحوا فتًى/ مستهترين كأنه ابن لبون
فإذا قضـى ذهبـوا بجثته إلى/ تل (المقطم) وهو غيرُ بطينِ
أخفَوْهُ عن عين الأنام وما دَرَوْا/ أن الإله يحوطهم بعيون
والليل يشهد والكواكب والثرى/ وكفى بهم شهداءَ يومَ الدينِ”
ومن نقطة انحدارها وحتى الحدود القديمة للفسطاط تمتد جثامين عطرة الذكر والعطاء كالليث بن سعد والشافعي والسيدة نفيسة وابن عطاء الله، فالصعود والبقاء والهبوط من الهضبة يشغل العقل ويشحذ الذاكرة هناك التقيت مرشدالإخوان الدكتور محمد بديع وشاركني رحيق التاريخ والرجال، ثم رفض كلانا التعرض بالنقاش للتاريخ وأصر أن الإخوان تعلموا من الدروس التي قلت إنها متكررة، فالإخوان رأيتهم عبر التاريخ وفي معظم الدول على يمين النظام حينما يستخدم النظام يمينه,وما إن ينتهى من كل ما على يساره حتى يلتفت إلى ثقل يراه يعوق يمينه فيستأصله، حدث هذا قبل ثورة يوليو,ثم حدث بعدها، وشرح لي المرشد كيف كانت علاقة سيد قطب بجمال عبد الناصر وموقعه كمستشار وحتى إعدام الزعيم لمستشاره، فأكملت على كلامه ولو نزلنا يا دكتور باتجاه الجنوب الغربي وتوقفنا عند مسجد الروضة لاطلعنا على عناوين الصحف تقول إن خطيبا إخوانيا هاجم المصلين بمطواة ثم تناثرت وتواترت الحوادث وضخمها الإعلام أو اختلقها ومهد للصدام.. وكررها السادات والقذافي والأسد، ثم مبارك.
والآن تغيرت الصورة، وتعلمنا من التاريخ أن الصورة قد تنقلب، فيوم لنا ويوم علينا ويوم نُساء ويوم نُسر، ثم يعود المشهد من حيث بدأ إن لم يتعلم صاحب الصورة من اللقطات السابقة، وأكد المرشد أن الأيام القادمة ستثبت أن الإخوان تعلموا ولديهم الكثير، وانتهى اللقاء-التاريخي على الأقل في حياتي المهنية-وانشغلت ببقية القوى السياسية هل تتعلم هي الأخرى من التاريخ، وهل ستصدق مع نفسها، ولا تنقلب على أرائها المنادية في كل مكان الديمقراطية هي الحل، أم ستنقلب بسحرها على نفسها وتنتهك اختيارات الأغلبية.. وتمنيت أن أصدق تفاؤل المرشد كما أصدق التاريخ صاحبي ذلك الذي لا يكذب أبدا.
أضف تعليق