كان أسبوعا مثيرا وممتعا ومتعبا على موقع تويتر, خضنا فيه نقاشا طويلا وهاما ومشتتا وناقصا مع الشيخ يوسف الأحمد الداعية السعودي المعروف وأستاذ الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية, والحوار مع الدكتور يوسف ليس حوارا مع شخصه فقط, بل يتعداه لتيار ناشط في السعودية يمكن القول إن الأحمد أحد أبرز رموزه الفاعلين على الساحة, ويتميز الشيخ يوسف بأنه أبرز من تصدى لقضايا الاحتساب في البلد, من القضايا الاجتماعية إلى الإدارية والعمرانية ومؤخرا الأمنية والسياسية, وتستطيع أن تقف أمام موقف أو اثنين أو ثلاثة للرجل وتؤيدها, فقضية المعتقلين في السجون والمظالم المرتبطة بهذه القضية لا يمكن الاختلاف حولها, لكنك تجد نفسك في موقع المخالف من قضايا أخرى مثل قيادة المرأة وعملها في بعض الأماكن والآلية المتبعة في تنظيم معرض الكتاب في الرياض, وما هو مسموح وغير مسموح في الشأن الاجتماعي العام.
سأوجز أولا قضية الحوار مع الشيخ على تويتر, ومنها أنطلق لما هو أهم وأعم, سجل بعض المشائخ في السعودية اعتراضا على موقف الدكتور عزمي بشارة من الثورة السورية, بحجة أن بشارة لا يدعو لإسقاط النظام (وكأن مهمته الدعوة لإسقاطه)!, وأنه خان الثورة السورية ووقف ضد مطالبها العادلة بسقوط النظام السوري, لم يتوقف الأمر عند هذا الحد المقبول من النقد والتحفظ والمطالبة بالمزيد, تطورت الأمور إلى التخوين واتهامه بالتحالف مع النظام السوري ضد الثورة, ووصلت الأمور عند الجمل التالية: المحلل النصراني, الصهيوني, والخلفيات المعروفة لديهم, وأمور أخرى لا يسع المجال لذكرها, وقد شكل هذا الأمر استفزازا لي ولقطاعات واسعة تعرف من هو الدكتور عزمي بشارة وتعرف هؤلاء المشائخ جيدا.
تداخلنا – وهذا حقنا الطبيعي – ووضحنا الأمور على النحو التالي, لا يحق لنا أولا توجيه الاتهامات على هذا النحو, فهذه لغة غير موضوعية على الاطلاق, كما أن فهمكم أيها السادة غير صحيح, وانتاج الرجل قولا وكتابة موجود وبإمكانكم الرجوع له, والمخاوف من انفلات طائفي في المنطقة إذا استمرت الأمور على ما هي عليه دون أن يدرك المثقف والمسئول السوري ما يجري ستكون له عواقب وخيمة, والرجل يحلل أوضاع الثورة وتأثيرها على المنطقة بعلمية وموضوعية وخلفية سياسية تفوقكم مجتمعين, أما موقفه منها, فمن المضحك أن يكون بشارة الخصم الفكري الأول للنظام السوري, والمرجع الرئيسي لشريحة واسعة من الثوار يعودون له ويستأنسون برأيه ثم تأتون لتخوينه على هذا النحو, ما قدمناه ليس دفاعا عن بشارة, وهو يستحق الدفاع عنه, ما كتبناه وسجلناه من مواقف لتوعية المتهمين عن جهل أو سوء نية بحقيقة الأمور, هنا تداخلت الأوراق وبدأت الاتهامات تتحول نحونا, أصبحنا مريدين وتلاميذ وأتباع وقومجية مهمتنا الرئيسية الدفاع عن زعيمنا, هذه لغة اعتاد كثيرون عليها في السعودية نتيجة الصراع المحتدم بين تيارات مختلفة ومتباينة في منهجها ورؤيتها, وهذا لا يشملنا على الاطلاق, نحن نعمل ونفكر بطريقة أخرى لو انتبهوا!.
القضية الرئيسية محل الاختلاف على النحو التالي, منذ ديسمبر الماضي والثورات العربية لم تتوقف يوما, بدأت في تونس ثم مصر والبحرين واليمن وليبيا, وكان موقف معظم المشائخ في السعودية من أسوأ المواقف المناهضة لهذه الثورات الشعبية, تارة بحجة الخروج على ولي الأمر وتارة بحجة الصفويين في البحرين, ولم يجد القذافي من يسانده أو يتغاضى عن جرائمه سوى (بعض ربعنا)!!, ولما اندلعت الاحتجاجات في سوريا انقلب الحال عند هؤلاء الدعاة رأسا على عقب, وذكرتنا الهبة السلفية لدعم الثورة السورية بأيام الجهاد الأفغاني, هناك أغلبية سنية يحكمها العلويون ويجب نصرتها, هذا التفسير الذي يرتكز عليه الموقف الداعم للثورة السورية!, أنت لا تريد الهجوم على أحد, ولكنك لا تستطيع منع نفسك من التساؤل, هناك أغلبية شيعية في البحرين ترى أن حكما سنيا يظلمها ويحرمها حقوقها فماذا نفعل؟ وهناك ظلمة آخرون يمارسون البشاعة ذاتها التي يمارسها النظام السوري لكنهم سنّة! فماذا نفعل؟ ونحن في نفس الوطن ننقسم إلى شيعة وسنة, فكيف ننظر للثورات من حولنا؟ وماذا نفعل!؟.
يشهد الله أني أجلّ الشيخ الأحمد وأقدره وأعرف صدقه وشجاعته, لكني أيضا أعرف منطلقاته المذهبية ورؤاه الضيقة التي ترى في الآخر عدوا يجب استئصاله, إننا أيها الشيخ دعاة أوطان لا دعاة أعراق وطوائف ومذاهب ومدارس دينية, الدولة الحديثة التي أنتمي وتنتمي لها قائمة على التعاقد مع المواطنين على أساس انتمائهم الوطني لا المذهبي أو المناطقي, وما ترمون له هو نقاء المذهب وحكمه خالصاً من أي اختلاف أو رؤية تتباين معه, وهذا تحديدا ما روجت له مراكز الفكر الأمريكية حين تحدثت عن خطأ الحدود الاجتماعية في الشرق الأوسط ووجوب إعادتها مطلع التسعينات الميلادية, بمعنى أن الحدود الجديدة يجب أن تفصل بين الأعراق والمذاهب الموجودة في المنطقة, دول شيعية وأخرى سنية ومسيحية وكردية .. الخ.
وأنت يا شيخنا الفاضل –من غير قصد- تدفع في هذا الاتجاه, فترى في الشيعي المواطن خصما لك وإن أظهرت غير ذلك, وتنسج علاقاتك البعيدة على أساس مذهبي, فتقبل بالظلم في البحرين وتدعو لحكامها بالصلاح والهداية ووقف بيع الخمور, لكنك لا تدعو لهم بالإصلاح والعدل والمساواة ومنح المواطن – أيا كان انتماءه – كامل حقوقه! تخوّن عزمي بشارة لأنه فكك المسألة الطائفية ودعا لدولة المواطنين ولأنه مسيحي, وتتجاهل هيئة كبار العلماء إذ وقفت ضد المتظاهرين وحقوقهم المشروعة, تغض النظر عن الدكتور السعيدي والشيخ اللحيدان بحجج غريبة عجيبة وقد ناهضوا الثورات وعارضوها, وتهب فجأة لتخوين بشارة “النصراني” ذي الخلفيات المعروفة لديك! ولا حاجة للتأكيد هنا على عدم معرفتكم به وبخلفيته سوى ما يقدمه السيد “غوغل” لهواة الخصومة والجدل والصراعات الفكرية التويترية!.
أراد بعض الأنصار أن يحولوا النقاش مع الشيخ لصراع فكري بين تيارين, أو لـ حملة دفاع أقوم بها عن مفكر أحترمه وأقدره وأرى من واجبي الدفاع عن فكرته التي قدمها في برنامجي!, لكني لست معنيا بهذا أو ذاك, إن تيارا وطنيا عروبيا ديمقراطيا إسلاميا يتشكل يوما بعد يوم في المنطقة, ونحن جميعا جزء من هذا التيار الذي يقدم حلولا جذرية لمشاكلنا الكبيرة والكثيرة, لطائفيتنا وانتماءاتنا الأولية, لأحلامنا في أوطان حرة كريمة متساوية منيعة ذات سيادة, تيار يدرك الأيديلوجيا ويوظفها في المكان الصحيح لكنه ليس أسيرا لها ولا تتحول عنده لـ عبء وحمولة ثقيلة وحواجز تمنع النظر للأمام, تيار لا يقبل بما يقوم سيد القلاف ووليد الطبطبائي وعشرات غيرهم في المنطقة, تيار المواطنين لا تيار المتمذهبين غير القابلين للآخر, تيار يجمع توفيق السيف بمحمد الأحمري وحسن جوهر ومسلم البراك وآخرين كثر رغم اختلاف مشاربهم الفكرية ومرجعياتهم والاجتماعية.
وهذا التيار يا شيخنا الفاضل يرى أن الحل في البحرين هو ذاته الحل في سوريا وغيرها, وإن كان حزب الله قد انحاز لنظام اجرامي ظالم, وكذلك فعل شيعة كثيرون في المنطقة, فأنت تفعلون الأمر ذاته, لا تنحازون للعدالة والمساواة, بل لأهل السنة فقط, لانتماءاتكم ورؤاكم ومذاهبكم وأفكاركم, وهي بكل أسف لا تتيح مساحة كافية للجميع!.
@alialdafiri
أضف تعليق