كتاب سبر

سوريا وشبح الحرب

 
يأخذ التوتر في منطقة الشرق الأوسط أبعاداً دولية وإقليمية ومساراً جدياً خطيراً أكثر من كونه ثورة شعبية، ومطالب إنسانية مشروعة ترغب بمزيد من الحريات والعدالة والديمقراطية والمساواة، وخفض البطالة، وإيجاد فرص عمل وحقوق إنسان وتمثيل برلماني حقيقي, ولكن أحياناً يكون هنالك تقاطع بين المطلب الشعبي والثورة الشعبية والأطماع والمصالح الأجنبية, والتي تستغل الوضع الداخلي لدول المنطقة لكي تفرض أجندتها الخاصة, ولربما تصل لهدفها الإستراتيجي المرسوم مسبقاً عن طريق الثورة الشعبية، وبمعزل عن التنسيق المباشر مع الشعب، أو الثوار أو المنتفضين.
 من أخطر المناطق في الشرق الأوسط وأكثرها سخونة هي بلاد الشام وبالتحديد سوريا التي تشهد أحداثاً دامية خلال الأشهر الماضية . إن الوضع السوري يختلف عن بقية الدول العربية التي شهدت، وتشهد ثورات وإنتفاضات شعبية، وذلك بسب موقعها الجغرافي وبُعدها المُقاوم عند البعض , فسوريا لدى شريحة كبيرة من العرب تعتبر رئة للمقاومة على الحدود الفلسطينية، ومُمثل للممانعة العربية للتطبيع مع إسرائيل. وبالرغم من رؤيتنا الخاصة لما يحدث في سوريا، والإنتهاكات التي تحدث فإن الواقع الجديد يفرض أن هنالك قوى كبرى، ومصالح متقاطعة تسعى لإستغلال الوضع السوري لكي تُسدد فواتير قديمة، وتُجبر النظام السوري لدفع ضريبة مواقفه هذه.
تفيد مصادر عسكرية وإستخباراتية أن الولايات المتحدة الأميركية نشرت حاملة الطائرات الجوية باتان، وذلك مقابل الساحل السوري على البحر الأبيض المتوسط مع عدد من القوة المشاة يقدر بألفين عسكري مع طائرات حربية، ومروحيات جديدة الصنع، وكذلك نشرت قوات في بحر إيجه، والبحرالأدرياتيكي، والبحر الأسود كجزء من عملية مناورات مشتركة بين الولايات المتحدة والقوات الأوكرانية , وبالإضافة إلى ذلك الحاملة (يو أس أس مونتيري) والمسلحة بصواريخ إعتراضية  تتمركز في البحر الأسود, وتذكر مصادرغربية أن هنالك تراكم للسفن التي تحمل أسلحة مضادة للصواريخ في حوض البحر الأبيض المتوسط. إن هذا التركيز الهائل من الوحدات البحرية والصواريخ الإعتراضية تبدو كإستعدادات من قبل واشنطن لحالات من الطوارئ تحسباً لأي تحرك من قبل إيران وسوريا وحزب الله ضد أهداف أمريكية وإسرائيلية في حال التدخل العسكري الأمريكي لوقف حمام الدم في سوريا.


وتَعتبِر موسكو وطهران ودمشق ، على وجه الخصوص أن هذه الموجة من التحركات العسكرية الأميركية  هي تحركات إستثنائية في، وحول البحر الأبيض المتوسط بإعتباره مؤشرا واقعيا للتدخل الاميركي في سوريا. وهذا التحرك الأمريكي  كان له أثره في ردع الحكومة التركية من المضي قدما في قرارها إرسال قوات تركية الى سوريا, والتي كانت خطتها إقامة منطقة عازلة محمية حيث سيتم الإبقاء على الآلاف من اللاجئين هربا من الأحداث العسكرية الدائرة في سوريا, وخلق منطقة آمنة على الجانب السوري من الحدود وخارج تركيا، وذلك حذراً من تكدس اللاجئين السوريين والأكراد بالتحديد على الحدود التركية. 
ويتردد رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان بوضع يده بيد الولايات المتحدة الأمريكية ويعارض أي تدخل عسكري من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا إلا أن مصادر إستخباراتية غربية  ذكرت أن واشنطن تنسق تحركاتها العسكرية مع أنقرة وأردوغان الذي تم الاتفاق معه بهدوء لوضع القواعد التركية تحت تصرف الولايات المتحدة للعملية في سوريا. وأيضا تفيد بعض المصادر أن حزب الله بدأ بتحريك صواريخ طويلة ومتوسطة المدى المخزنة تحسباً لأي عملية أمريكية في الداخل السوري.  إلا أن المخابرات الإيرانية كانت قد نصحت حزب الله لإزالة صواريخه خارج نطاق عملية أمريكية محتملة في سوريا والإحتفاظ بها في أماكن أكثر أمناً.  وتَحذر إيران كثيراً من هذا الوضع المتأزم في سوريا وهي الحليف الإستراتيجي طوال الثلاثين سنة الماضية .لقد توجت ايران تخوفها بعدة تحذيرات منفصلة لإدارة أوباما من التدخل العسكري في سوريا , فقال المتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان باراست: “لا يُسمح للأميركيين بأي تدخل عسكري في أي بلد من بلدان المنطقة بما فيها سوريا”. 
وقال المتحدث بإسم القوات البرية الايرانية الجنرال كيومارس حيدري أن أي تحرك عسكري جديد من قبل الولايات المتحدة في المنطقة فعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تدفع تكاليف باهظة أكثر بكثير من التكاليف التي تُدفع في العراق وأفغانستان “.
إن سياسة إيران الرسمية الدائمة هي السياسة الناعمة, والنفس الطويل, والتخدير, وهذا ما استعملته في تمرير برنامج المفاعل النووي الإيراني, وحينما تَستنفر إيران فإن هنالك أمراً جدياً خطراً في الأفق, لذلك فإن مايجري في المنطقة يدعو إلى القلق الحقيقي من نشوب حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط, ففي حال إستقواء المعارضة السورية وتيقن السلطة السورية أن الخناق قد ضُيّق عليها فإن ورقة المقاومة والجولان ستُستعملان , وهما ورقتان خطيرتان على إسرائيل في ظل الأوضاع العربية الراهنة وتحرر المارد الشعبي المصري المنجذب لبُعده القومي العروبي, وإتفاق فلسطيني داخلي, ونجاح وتشكيل حكومة لبنانية يسودها طيف يحتضن المقاومة اللبنانية, والذي ممكن أن يؤدي إلى دعم صريح للنظام السوري، وبالتالي دخول لبنان رسمياً كطرف في الوضع السوري الأمريكي الإسرائيلي، وهو مايؤدي إلى أبعاد أخرى قد تذهب بالمنطقة لحرب جديدة.
[email protected]
http://twitter.com/#!/HassanAlfadli


 


 

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.