في الوقت الذي تعيشه المنطقة من حالة متوترة ومتأرجحة بين سلام مستقر (بارد) تارة.. وتارة أخرى سلام غير مستقر تتعزز فيه الشكوك بين الأطراف الإقليمية أنهت القوات البريطانية تواجدها في العراق. وكانت الولايات المتحدة قد بدأت بتنفيذ جدولها للانسحاب في موعد أقصاه نهاية عام 2011 ,حيث لن يتبقى سوى عشرات أو مئات من الجنود الأمريكيين لتدريب القوات العراقية.فذلك الانسحاب ربما سيترك فراغا سياسيا وامنيا في العراق من الصعب أن تملأه القوات المحلية التي لازالت تعيش حالة من الضعف على جميع المستويات الفنية والمهنية والقتالية واللوجستية والولاء الاجتماعي والسياسي. ولعل أبرز دليل على ذلك هو التفجيرات التي تتعرض لها مناطق عدة في فترات متقطعة. فبالإضافة إلى الوضع الأمني المتردي فان الوضع السياسي مازال هشاً من خلال ما تشهده الساحة السياسية من خلافات مستمرة بين اغلب الكتل العراقية وكذلك عدم حل اغلب القضايا العالقة وخاصة ما يتعلق بالشأن الكردي. فهل استعدت الجهات السياسية والأمنية في دولة الكويت والمملكة العربية السعودية بشكل خاص وذلك لارتباطهما حدوديا بالعراق ..وفي دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام لما قد يترتب على هذا الحدث المستقبلي المحتمل ؟.خاصة وان البيئة الأمنية الإقليمية في حال الانسحاب الأمريكي من المتوقع أن يكون الحاضن أو المشكل لها هو جمهورية إيران أو دول مجلس التعاون من خلال ارتباطاتها الأمنية بعض مع الدول الكبرى.
وهناك سيناريوهات سياسية وأمنية كثيرة مطروحة لما بعد الانسحاب الأمريكي في ضوء الواقع الذي يعيشه العراق في الوقت الراهن.منها ما هو متشائم ومنها ما هو متفائل.وعليه يجب أن تكون لدول الخليج العربي استراتيجيات ونظرة مستقبلية لأي من تلك الاحتمالات لوضع حلول تتماشى معها نظرا لأهمية المستقبل السياسي العراقي لجميع الدول المجاورة له.فلو حدثت السيناريوهات المتفائلة فان ذلك سوف يعزز من استقرار المنطقة وانتعاشها اقتصاديا وهذا ما يتمناه الجميع ,ونحن هنا لن نتطرق إلى السيناريوهات الايجابية لأنها لن تشكل خطر لا علينا ولا على العراق أو حتى الأطراف الإقليمية.ولكن سوف نتطرق إلى الجانب السلبي المحتمل لمستقبل العراق ففي حال حدثت السيناريوهات المتشائمة لا سمح الله واحدها أن تعم العراق الفوضى والانقسام والاقتتال والصراع الطائفي فبالتالي ربما يكون لذلك تبعات وآثار سياسية واجتماعية وأمنية سلبية على دول المنطقة.قد يكون منها على سبيل المثال التدخلات السياسية والعسكرية لقوى إقليمية بشكل عام ولإيران بشكل خاص في العراق واستخدام أراضيه لتحقيق مصالحها الجيوسياسية ولتنفيذ أجندتها المذهبية وفرض مساوماتها ضد دول المجلس أي بمعنى استخدامها الأراضي العراقية كساحة للحرب بالوكالة أو لإثارة الأزمات السياسية والأمنية باستغلال بعض القوى السياسية العراقية ممن تستطيع أن توجههم للضغط أو الإثارة ولفت الأنظار إزاء أية قضية ما.ويبدو أن المظاهرات التي خرجت في البصرة ضد إنشاء ميناء مبارك الكبير قد يكون عبرة لنا في ذلك فعندما توترت العلاقات الكويتية الإيرانية جراء الشبكة التجسسية ظهرت بعض القوى السياسية العراقية المعارضة بالرغم من أن ذلك الميناء تم الانتهاء من انجاز خمسين بالمائة منه.وهذا يدفعنا للتفكير لماذا تذكر العراقيون وخاصة في البصرة هذا الميناء في الوقت الراهن؟ بالرغم انه تم الإعلان عنه مسبقا ودائما ما يتم التطرق له في جميع وسائل الإعلام الكويتية.وكذلك ربما قد يكون من التبعات أو الآثار في ظل ذلك القتال والصراع المرجح الهجرات الجماعية ونزوح اللاجئين على الحدود مما سيتطلب جهودا كبيرة لاحتوائها امنيا وإنسانيا، بالإضافة إلى أن الأراضي العراقية في تلك الظروف من المحتمل أن تكون أرضا خصبة لانطلاقة الإرهابيين ومروجي الأسلحة والمخدرات إلى دول المنطقة.كما أن ذلك الصراع قد يمتد لدول المنطقة لتشابه التركيبة السكانية مع العراق.ومن خلال ما سبق فانه يجب أن نضع قول الله تعالى في الآية التالية نصب أعيننا لمواجهة التحديات التي قد تواجهنا سواء من بعض القوى المعادية لنا أو من الإرهابيين المحتملين أو ممن سيحاول أن يسيء إلى امننا السياسي والاجتماعي: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم “. صحيح أن عهد رباط الخيل قد انتهى ولكن هناك بدائل حديثة ومتطورة لذلك جميعنا يعيها ويعرفها فلابد أن نستوعبها ونفعلها.فتلك المخاطر تحتاج إلى وضع استراتيجيات واستعدادات ومراكز بحوث وكوادر مؤهلة وقوات مدربة لإدارة تلك الأزمات المحتملة أو أية أزمة مستقبلية أخرى ربما تواجه دول الخليجي.فهل يا ترى بدأنا لدراسة تلك الاحتمالات سواء كانت سلبية أو ايجابية؟.
وفي النهاية فان ما سبق ما هو إلا مجرد رؤية للمستقبل قد تصيب وقد تخطأ ونتمنى أن تكون نظرتنا خاطئة وان يعم الأمن والاستقرار في جمهورية العراق الشقيقة.
د.عبدالعزيز محمد العجمي
Email: [email protected]
Twitter: @Dr_Abdulaziz71
أضف تعليق