تكاد شرارة معركة الاختلاط في الكويت أن تتم يوبيلها الذهبي، فقد اشتعلت في ستينيات القرن الماضي ومازال دخانها يتصاعد بين فينة وأخرى رغم انتصار معارضي الاختلاط بعد عقود من التطاحن السياسي والنقابي والفكري بين تيارين يرفع أحدهما راية الدين فيما يرفع الآخر راية الحرية.
خلال العقود الأولى من تأسيس الجامعة كان الناس يتابعون (رموزاً) تتحاور حول هذه القضية كالوزير الأسبق السيد يوسف الرفاعي والدكتور أحمد الخطيب التي تُعَد مناظرتهما مثالاً لعدة صولات وجولات خاضها الفريقان المتنافران فكرياً ، لكنني اليوم كمعارض للاختلاط أجد أن الخصم صار مختلفاً ، فهو أقرب للسذاجة وطريقة نقاشه ضحلة ونوع شبهاته التي يطرحها سطحية وردوده فارغة فأصبح لا يستحق عناء الرد عليه ولا يرقى لمستوى الحوار الجدّي والمُجدي ، فاضطررت لخوضه بطريقة أكثر بساطة لضمان استيعاب عقول الخصوم له ، مع علمي بأن طرحهم لهذه المسألة (المنتهية) في هذا الوقت يهدف لذر الرماد في أعين الجماهير وتشتيت انتباه الشارع عن فضيحة الصفقات المتوالية والعقود المتتالية التي أبرمتها الحكومة مع التيار الليبرالي التغريبي!
قال لي أحد الاختلاطيين : إن فصل الجنسين يتسبب بإرباكٍ في جداول المواد الدراسية وإغلاقٍ للشعب وغيرها من سلبيات فنّية.
قلت له : أكد المسؤولون في الجامعة وإتحاد الطلبة أن سبب المشكلة ليس فصل الجنسين بل هو في المنشآت والكوادر التدريسية، وأن تحقيق الحل الكامل يتم عن طريق إنشاء كليات جديدة وتوسيع المباني الحالية بعدة ملايين كالتي قدمتها حكومتنا للنظام البعثي في سوريا أو التي بنت بها جامعة للأشقاء اليمنيين، فليس الحل في حشر الطلبة والطالبات بفصول مختلطة بحجة عدم توفر قاعات دراسية!
قال : الاختلاط ليس حراماً!
قلت : بل حرّمه كبار العلماء وحذَّر منه آخرون وأما من أباحه أوجَبَ الضوابط الشرعية مثل الحشمة التي لم تتحقق في الجامعة ، ثم إن القاعدة الشرعية تقول أن ما أدى للحرام فهو حرام كالاختلاط المؤدي للخلوة وإطلاق البصر وغيرها من مفاسد حرمها الشرع الحنيف.
قال : حتى في الطواف اختلاط!
قلت : وهل اللباس في المكانين واحد؟ أم أنك لا تُفرق بين المعتمرة المتسترة المحجبة المتجنبة للمساحيق والألوان المبهرة وتلك الطالبة المتبرجة السافرة اللابسة للقصير مرةً والضيق مرة أخرى ؟! وهل نقارن بين الأجواء الروحانية والخشوع والوقار وقراءة القرآن في الحرم بأجواءٍ دنيوية تتنافس بها الأزياء والموضة ويعم فيها المزاح والغنج في بعض الكليات ؟!
قال : الاختلاط في كل مكان خارج الجامعة !
قلت : أليست للنساء منتزهات خاصة ؟ وللعائلات أيامٌ دون الشباب في الحدائق ؟ وللإناث مكاتب وغرف منفصلة في أغلب وزارات الدولة ؟ ثم إن احترام الجامعة للعادات والتقاليد لا يجب أن يتأثر بإهمال المؤسسات الأخرى لها ، فمستويات احترام الدين متفاوتة .
قال : الحرية في الاختلاط !
قلت : بل الحرية في الفصل بين الجنسين ، فحينها لن تُحاصَر غالبية الطالبات المحافظات بطلبة ذكور ، كما لن يتعرض الطلبة الملتزمون بالأصالة لحرجٍ تسببه بيئة مليئة بالزميلات ، فأين الحرية في إجبار الناس على اختلاطٍ لم تربيهم عليه أسرهم المحافظة ؟ فليذهب من أراده -غير مأسوفٍ عليه- إلى جامعات غربية أو أخرى شرقية.
قال : أين الديمقراطية؟
قلت : هي في الفصل، فقد تم إقرار قانون منع الاختلاط بشكل ديمقراطي من خلال البرلمان ، كما صوت آلاف الطلبة والطالبات في انتخابات اتحادهم بالجامعة للقائمة التي تعارض الاختلاط ، فيما لم تؤيد الخلط بين الجنسين سوى قائمة طلابية واحدة نتائجها الانتخابية متردية !
قال : في السعودية جامعة مختلطة !
قلت : هنا الكويت ! وعندهم تُمنع المرأة من قيادة السيارة ومجلسهم مُعيّن غير منتخب ولباس طالباتهن ليس كلباس طالباتنا، فمقارنتك وُلدت ميتة.
قال : في الدول المتقدمة اختلاط!
قلت : وفي مطاعمهم خمور، وفي صيدلياتهم مخدرات، وفي فنادقهم دعارة! ثم إن العديد من مدارس بريطانيا وأمريكا وأستراليا عادت لنظام فصل الجنسين بعد دراسات عديدة أكدت المنافع التربوية للفصل والعيوب النفسية للاختلاط .
قال : ألا تثقون بهن ؟
قلت : ألا تغار عليهن ؟
فتَمعّر وجهه .. و انصرف !
فتذكرت قول الإمام علي كرّم الله وجهه : {بلَغَني أن نساءكم يخالطن العلوج في الأسواق ! أما تستحيون أو تغارون ؟ إنه لا خير في من لا يغار}.
أضف تعليق