خرجت الصرخة من مصر، ارحل، ثم انتشرت في الدول العربية، سقط نظام مبارك الفاسد، فحلمت كل الشعوب العربية بتحرير ذواتها من حكامها وطغاتها والذين سرقوها، سرت الصرخة من مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا، ولم تتوقف.
يراقب المصريون كل يوم ثورات أشقائهم في الدول العربية بفرحة وأمل، ودعم نفسي كبيرين هم يعرفون أن ما يحدث هناك هو امتداد لهم، أنه هم مصري آخر، فمصر التي حاربت مع اليمن في الخمسينات هي التي تدعم اليمن الآن، ومصر التي اتحدت مع سوريا في الستينات في دولة واحدة، هي التي تحلم وتدعو لها الآن.
الثورات التى خرجت فى ليبيا واليمن وسوريا هي امتداد للثورة المصرية التى أسقطت نظاما ديكتاتوريا فاسدا، وألهمت كثيرا من الشعوب الثورة على الاستبداد. الثورة المصرية التي تأثرت بالثورة التونسية، والتى خلع فيها الشعب التونسى رئيسه زين العابدين بن علي بعد سنوات طويلة من حكم الفرد المستبد والفساد المنتشر وتحكم العائلة فى كل مجريات الحياة، خرجت الثورة المصرية لتنير العالم وتبشره بالشعوب العربية العظيمة، التى وإن تحملت كثيرا من القهر والضغط والاستبداد، فإنها لن تترك ذلك إلى الأبد.
خرج الثوار المصريون، ومعهم الشعب الليبى بعد أيام قليلة من نجاح الثورة المصرية وإسقاط حكم مبارك، واستطاعوا أن يهزوا عرش القذافي الذي نهب البلاد هو وأبناؤه، لكنه لازال يعاند ويقتل المواطنين بدباباته ومدافعه وصواريخه التي اشتراها بأموال الشعب، ولا يريد التنازل عن السلطة طوعا.
نفس الأمر حدث فى اليمن وخرجت الجماهير إلى الشوارع والميادين، وأصبحت هناك ساحات للمظاهرات والاعتصامات على غرار ما حدث فى مصر فى ميدان التحرير وغيره من ميادين مصر، لكن الاستبداد والفساد ما زالا متمسكين بكرسي الحكم، لكن الشعب خرج ويصر على ثورته وإتمام انتصاره.
فى نفس الوقت أيضا خرجت الجماهير فى سوريا تطالب بالإصلاح أولا، لكن بشار الأسد وعصابته لم يستمع إليهم، واستمر فى عليائه، ولم يفطن كغيره ممن سبقوه من المستبدين والطغاة، أمثال بن علي ومبارك، إلى أن الشعوب خرجت من قمقمها تريد الحرية والكرامة والعدالة، وأن نظام بشار الأسد خال من تلك القيم وبالفعل قابل الاحتجاجات فى البداية بالقمع الذي كان يمارسه بمد سنوات حكمه الذى ورثه عن أبيه، وبدأ سقوط الشهداء ليخرج الشعب فى معظم المدن السورية ضد بشار وعصابته، وضد القمع والقهر، ولم ينفع معه الوعود التى لا تنفد دائما بالإصلاح والتغيير، ليطالب الناس «بإسقاط النظام».
ومع زيادة القمع واستخدام بشار الأسد قوات الجيش فى ضرب وقتل المتظاهرين والثوار فى المدن المختلفة تزداد أيضا شعلة الثورة في كل مكان فى سوريا، ويسقط الشهداء فيزداد عنفوان الثورة وتنتقل إلى مدن وقرى أخرى، فلم يعد هناك مفر للشعب السوري، إلا إسقاط النظام.
وكل يوم يزداد تعاطف العالم مع الشعب السورى الثائر ضد النظام الذي لا يرضى بالرحيل ويوجه داناته ودباباته ومدافعه وأفراد جيشه الذين ينتمون إلى طائفته، إلى الثوار ويسقط شهداء جدد كل يوم.. ولا شك أن ما يحدث فى سوريا -وغيرها من البلاد العربية- له اهتمام كبير من الشعب المصرى ومصر الثورة، وهناك إدانات شديدة للصمت الرسمى من تلك الثورات.
أي نعم هناك رد جاهز بأننا مشغولون بلملمة ما حدث فى مصر، خصوصا أن الثورة حدث كبير يحتاج إلى كثير من الجهد الذي يشغلنا عما حولنا حتى لو كانت ثورات اتخذت من ثورتنا الإلهام.
وهو أمر مردود عليه بأن الشعب يريد الإعلان عن تأييد تلك الثورات، فهي امتداد لثورته العظيمة، وآن الأوان لبناء علاقات جديدة في إطار إقليمنا العربى واستعادة الدور المصري الرائد الذي تحترمه كل الشعوب العربية.
ولعلنا نذكر الموقف الشعبى من الدكتور نبيل العربى الذى احترمه الرأى العام كثيرا ووضعه نموذجا يعبر عن الثورة المصرية فى الأيام التى قضاها على رأس وزارة الخارجية لتصريحاته عن الوضع العام العربى واستعادة الدور المصرى، لكن الأمر اختلف تماما عندما قام بزيارة إلى سوريا ولقائه بشار الأسد والحديث عن «مزاعم» بشار للإصلاح دون التطرق إلى الثورة ودماء الشهداء، فأسف الناس لهذا الموقف وشعروا بخيبة الأمل وفقد العربى كثيرا من الشعبية.
وأمام المجازر التى ينفذها يوميا بشار الأسد لم يعد الصمت مجديا، فبدأت عدد من الدول العربية بما فيها السعودية الحديث عن تلك المجازر وإدانة ما يحدث، حتى الجامعة العربية تراجعت عن موقفها الصامت -وهى عموما لا حول لها ولا قوة – وخرج شيخ الأزهر عن صمته ليقول إن صبرنا على بشار نفد، والأمر تجاوز الحد.
لكن الموقف الرسمى المصرى ما زال صامتا حتى إن خرج وزير الخارجية بتصريح باهت، فالشعب المصرى كله يريد تأييد الثورة ليس فى سوريا فقط، وإنما فى ليبيا واليمن وتأييد أى شعب عربى يريد التخلص من الديكتاتورية والاستبداد.
المجد للشعوب العربية المناضلة، المجد للثورة المصرية، وثورة تونس وثورة ليبيا وثورة سوريا.
المجد للشعب، رغم أنف الحكام والمسئولين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رئيس تحرير جريدة التحرير المصرية
أضف تعليق