لايوجد هنالك إدراك حقيقي لقيمة وثقل جمهورية مصر العربية من حيث البُعد القومي والإستراتيجي والجغر افي والديموغرافي والإقتصادي والديني عند الكثير من الساسة العرب خصوصاً في مصر في وقتنا الحاضر, وذلك للإنكفاء الذي واجهته مصر خلال الثلاثين سنة الماضية بعد تكبيلها بمعاهدة السلام في كامب ديفيد, ولكن من يعرف كل هذه الأبعاد هي إسرائيل والتي تستميت لكي لا يحدث أي خرق لمعاهدة السلام بين البلدين , والتي ضمت لإسرائيل هدوءاً على طول جبهة عريضة وساخنة , ولكن القادة العسكريين في الجيش الإسرائيلي لا يراعون الوضع السياسي لذلك فإن التصرف العسكري الإسرائيلي يحتاج دائماً لتنظيف سياسي ( ولو أن إسرائيل هي أصلاً دولة مُعسكرة ) ولكن هنالك مواقف عسكرية لا تخدم أجندة السياسي الإسرائيلي والذي يسعى لعدم التصعيد مع مصر للدرجة التي تجعله يقدم إعتذاراً واضحاً لمصر وهو مالم يحصل مع تركيا الحليف الإستراتيجي الكبير لإسرائيل في المنطقة بعد الهجوم على أسطول الحرية على الرغم من المطالبة التركية الصريحة بهذا الإعتذار.
إن الوضع المُتوتر بين جمهورية مصر العربية وإسرائيل يدعو للقلق وذلك بعد إنتصار الثورة الشعبية في مصر ودخول معاهدة السلام بين البلدين في دوامة الإستمرار أو الإلغاء مع إستلام تيار جديد للحكم في مصر , ولكن في حالة مصر وإسرائيل فإنه لايوجد حل ثالث فأما معاهدة على غرار معاهدة كامب ديفيد أو حرب دائمة وذلك بسبب التاريخ الدموي بين البلدين وحتمية الصراع العربي الإسرائيلي والجغرافيا التي حكمت هذا الصراع , وتشكل سيناء محوراً من محاور الصراع المصري الإسرائيلي دائماً. وفي الأزمة الأخيرة إتضحت الرؤية في هذا الشأن ولولا الإحتواء الأمريكي للأزمة لكان لها تداعيات كبيرة على المنطقة , فلقد أنتجت جهود دبلوماسية مكثفة من قبل واشنطن حلا وسطا لتسوية لحظات الأزمة بين مصر وإسرائيل قبل أن تنقض إتفاقية السلام بينهما. لقد وافقت القاهرة على عدم استدعاء السفير المصري من إسرائيل , وإعتذر وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك علناً ??عن مقتل ثلاثة من رجال الشرطة المصرية خلال تبادل لإطلاق النار بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين على طريق إيلات . ووافقت إسرائيل على إجراء تحقيق مشترك لتحديد أسباب وفاة الشرطة المصريين. ونشر نائب السفير الإسرائيلي في القاهرة إعتذاراً رسمياً في الخارجية المصرية. ولقد أجرى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إيهود باراك مشاورات مكثفة حول التراجع الحاد المفاجئ في العلاقات مع مصر وسُبل منع الحكومة المصرية من إستدعاء سفيرها من إسرائيل , ثم هاتَف نتانياهو البيت الابيض الأمريكي وكانت الإجابة من الإدارة الأمريكية أنه بدون إعتذار فوري للقاهرة فإنه لا يمكن لواشنطن من التوسط لمنع القرار المصري من سحب سفيرها في إسرائيل. عندئذ أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي بياناً أعرب به عن أسفه لمقتل رجال الشرطة المصريين. وأيضاً سربت معلومات عن موافقة إسرائيل لإعادة التفاوض على شروط معينة من كامب ديفيد للسلام المتعلقة بنزع السلاح من سيناء كمنطقة عازلة بين الطرفين المتحاربين سابقاً. وكذلك قدم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز إعتذاراً لمصر حول سقوط ضحايا مصريين في حادث الحدود في سيناء، وأعرب عن تعازيه لأسر الضحايا والشعب المصري. وأكد بيريز على عدم وجود أي تعمد من جانب إسرائيل للقيام بهذه العملية، وأن إسرائيل حريصة على العلاقات مع مصر.
لقد تمت محاصرة السفارة الاسرائيلية في القاهرة ليومين متتاليين من قبل محتجين غاضبين مطالبين بطرد السفير الاسرائيلي ، في حين أن وسائل الإعلام المصرية قامت ببث تقارير معادية للعلاقات مع إسرائيل. وكذلك أعلنت القاهرة أنه نظراً للعلاقات المتوترة فإنها ستعلق المحادثات مع إسرائيل حول إستئناف إمدادات الغاز لها.
إلا أن لجنة الطوارىء في القاهرة وفي إجتماع لمجلس الوزراء أعلنت أن مصر لن تسحب سفيرها من إسرائيل إذا تلقت إعتذاراً رسمياً ونتائجاً لتحقيق رسمي في مقتل رجال الشرطة الخمس , وهو ماحدث من قبل الإدارات الإسرائيلية تحاشياً لتصعيد قد يؤدي لإلغاء معاهدة كامب ديفيد الإستراتيجية لإسرائيل.
لايعنيني هنا الموقف الحكومي المصري وعدم إتخاذ الموقف الحازم الذي ينتظره كل العرب بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل , ولكن يجب أن نُسجل مدى الهلع الذي حدث لدولة إسرائيل في حال فكرت مصر بسحب سفيرها من تل أبيب أو بإلغاء معاهدة كامب ديفيد , وهو مايجب أن تستغله مصر لخلق أجواء أخرى في المنطقة وخصوصاً في الأراضي المحتلة وعلى السياسي المصري أن يعرف قيمة مصر الحقيقة ومدى ثقلها المحوري في جميع القضايا العربية والإقليمية.
http://twitter.com/#!/HassanAlfadli
أضف تعليق