في العام 1964 عمت المظاهرات ليبيا احتجاجاً على طريقة الملك السنوسي في إدارة البلاد، فأعلن الملك تنحيه، لكنه سرعان ما تراجع عن قراره وعاد إلى عرشه، ووعد باعتماد طريقة جديدة للحكم. بيد أن وعوده ذهبت مع الرياح، فاستشرى الفساد والفقر والفوضى وطغيان البطانة وانتشرت مظاهر انهيار الدولة.
في تلك الفترة، كان الزعيم جمال عبد الناصر، بحضوره الطاغي، يدعو إلى سقوط النظم الملكية وقيام الجمهوريات.
وفي ليبيا، ثمة طالب عسكري اسمه معمر القذافي يرى في جمال عبد الناصر المثل الأعلى. استطاع هذا الطالب التفوق في الكلية العسكرية والتخرج برتبة ملازم ثان، فتم ابتعاثه إلى بريطانيا، وعاد منها يحمل رتبة ملازم أول.
قام الملازم أول معمر القذافي هو وزملاؤه بتشكيل حركة “الضباط الوحدويون الأحرار”، برعاية ومتابعة ودعم من جمال عبد الناصر، هدفها الانقلاب على حكم الملك السنوسي، والعمل على توحيد دول الوطن العربي. وتم الاتفاق على أن تكون ساعة الصفر في أحد أيام مارس من العام 1969، ثم تم تأجيل الموعد إلى شهر أغسطس، قبل أن يتم تأجيله للمرة الأخيرة إلى أول أيام سبتمبر، أو الفاتح من سبتمبر، كما أسمته الحركة.
وفي أول سبتمبر، حاصرت الحركة، بقيادة الملازم أول معمر القذافي، القصر الملكي أثناء وجود الملك في تركيا في إجازته الخاصة، فأعلن ولي عهده “حسن الرضا” مباشرة تنازل أسرته عن الحكم من دون قتال، وهو ما تم بالفعل، ونجحت الثورة دون أن تراق قطرة دم واحدة.
كان القذافي في السابعة والعشرين من عمره، وكان زملاؤه في سن مقاربة، لذا بدأت الفوضى تدب في ليبيا بسبب جهل الثوار الشبان بطريقة إدارة البلد، فاستعانوا بخبير نفطي ليتولى زمام الحكومة، لكنهم سرعان ما أقالوه، وخلع القذافي على نفسه رتبة عقيد ثم تولى رئاسة الحكومة.
غاصت البلد وقتذاك في محيط الأحلام الكبرى، أحلام التأميم والتوحيد، فاتحدت ليبيا مع مصر وسوريا، لكنه اتحاد لم يتعد سطور الأوراق التي شهدت التوقيع عليه، تلاه اتحاد مع تونس، لم يستمر أكثر من 24 ساعة، تلاه اختلاف الثوار على تسمية الدولة، ثم اختلاف على تسمية القواعد العسكرية، أيها تستحق اسم “قاعدة صلاح الدين الأيوبي”، وأيها تستحق اسم “قاعدة عقبة بن نافع”، وغير ذلك من أمور تركز على الوجه وتترك العلل الباطنية.
فتذمر الناس، فشرع الثوار في قمع الشعب، وظهر الوجه الأحمر للشبان الثائرين، وسالت الدماء، وارتفعت الصرخات في السجون، واختفى عدد من الأكاديميين من على ظهر الأرض، بل واختفت أصوات بقية الثوار وبقي صوت القذافي وحده، وارتعدت ليبيا، وصمتت قهراً.
واليوم، الفاتح من سبتمبر، وبعد 42 سنة من نجاح ثورة القذافي وزملائه، يختبئ قائد الثورة في مكان مجهول، تطارده مجاميع من الثوار الشعبيين، ولا يُعرف إن كان في ليبيا أم خارجها، وتلجأ زوجته وثلاثة من أبنائه إلى الجزائر.
وما بين فاتح وفاتح.. ضحك الناس كثيراً على تصرفات القائد، وبكى الليبيون دماً أحمر، قبل أن يقرروا إنهاء المسرحية الهزلية وتحرير بلادهم من الاحتلال القذافي، ليبدأوا بعدها إعادة بناء ليبيا من جديد.
أضف تعليق