كتاب سبر

رجل….جاء وذهب

غدرت ياموت كم افنيت من عدد   بمن اصبت وكم اسكت من لجب

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر      فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

نعم , هو المتنبي , يا أيها القصيبي , إنه أبو حسيَد صاحبك في العصفورية , و الظل الذي صحبك في كلماتك و في حلك وترحالك. تلك مرثية بكاها قبل ألف عام , وما أشبه اليوم بالبارحه.

   رحلت ؟ أترجلت عن صهوة الحياة ؟! تلك الفرس التي عصيت على الترويض. رحلت هكذا ببساطة؟! أم أنها كذبة كسابقاتها, ثم ما تلبث أن تنتفض حتى يزول القبر والكفن ….لا , إنها الحقيقة , إنه الموت, الحقيقة الوحيدة في هذه الحياة.

حتى إذا لم يدع لي صدقه أملا   شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

 في مثل هذا الصيف, القائظ, قبل عشرين عاما. جار علينا جار الشمال , أتذكر؟! يومها عندما وقفت ومافي الموت شك لواقف , كنت رجلا , في عين العاصفة, تذود عن مدينة بحرية أحببتها وأحبتك.

أتذكر؟ كيف وقفت في وجه من أرادوا جعل الدين حكرا عليهم, والأيام وحدها حكمت بسداد رأيك.

أتذكر ؟ آيات الأخرس , تلك الصرخة التي أطلقتها من وسط لندن: أنتحرتم ؟! نحن الذين انتحرنا بحياة أمواتها الأحياء.

أتذكر؟ افتتاح جسر الملك فهد, الشريان يصل رحما بين شعب ومملكتين.

أتذكر؟ وكم ستطول الذكريات , مع رجل بحجم الحياة , بل هو أكبر.أعرف أنك تذكر ما سلف , وربما علمت منه مالم أعلم , لكنني أنا…أذكر.

يا سيّدي ,بأي صفة أرثيك ؟ بصفتك الأثيره , الشاعر , وأنت الذي طالما قلت أنا شاعر من الدرجه الثانية , ثم تبتسم تلك الأبتسامة المعدية. أم أصفك بالروائي ؟ وأنت البروفسور في العصفورية والتي كانت رسالة غفران لزماننا على رأي من درج قبلك , طيب الذكر , الطيب صالح . أم بسعادة الوزير ؟ الذي لم يخرج من مكتبه يوما إلا وقد خلت من على سطح مكتبه الأوراق , ثم , أي وزارة انسبك لها؟ الكهرباء! أم الصحة, أم العمل ,أم المياة .أنا في حيرة لايعلمها إلا الله. أم تراك تفضل سعادة السفير؟ وايا من سفارتيك انتقي, عميد السلك الدبلوماسي في مملكة البحرين أم تلك في بلاط سانت جيمس. أم بالدكتور يا دكتور؟ وأنت المصاب بالحساسية من الاستخدام المفرط لهذه الكلمة. أم ارثي فيك المترجم؟ الذي ترجم أجمل قطع الهايكو اليابانية وترجم كتاب (المؤمن الصادق ) وهو على فراش المرض ؟! ….لا أدري ولا أعرف! بلى , تذكرت , إن أقرب ألقابك إلى نفسك : أبو يارا.

                                     -رسالة-

إلى أبي يارا , طبت حيا وميتا, إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا أبا يارا لمحزونون . و أنا كما قال صاحبك : لا يملك الطرب المحزون منطقه , فاعذرني , إن فقدت بعضا من المنطق , فالمصاب جلل , ولكن , أعلم انك سترقد في لحدك , وقد حملك قبلها الآلاف على الأكتاف , و اعلم أن هناك من سيدعو لك في سكون الليل , من رجال ونساء وشيوخ , ذللت لهم صعابا , وأعلم كذلك , كم سيفرح دجالون من جحورهم ! . سأفتقد سطورك , وابتسامتك التي تلوح من وراءها , سأفتقد قصائدك , وسأفتقد أمنية لقياك في هذه الحياة الدنيا , لكن حسبي , انك كما قلت يوما ترثي نفسك :

لاتتبعيني! دعيني …واقرأي كتبي    فبين أوراقها تلقاك اخباري

هل اكتفيت , واضناك السرى , حتى ناديت :

ويا بلادا نذرت العمر …زهرته    لعزها! دمت! إني حان إبحاري

ولا يزال صدى نجواك يتردد:

يا عالم الغيب , ذنبي انت تعرفه    وانت تعلم إعلاني وإسراري

وانت ادرى بايمان مننت به         علي ماخدشته كل اوزاري

احببت لقياك …حسن الظن يشفع لي   أيرتجى العفو إلا عند غفار

و إنا لنكره الموت , ولكن ….نتعزى بكلام سيد البشر –صلى الله عليه وآله وسلم -(من احب لقاء الله احب الله لقاءه , ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) , يرحمك الله يا ابو يارا , وسامحني , فلا املك إلا هذه الكلمات يا سيّد الكلمات . رحل غازي…. فلا نامت اعين الجبناء.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.