كنت قد تلقيت بكثير من الارتياح ردود الافعال المباشرة و غير مباشرة التي نقلها الي العديد من المتابعين الكرام حول مقالتي عن القيم و دورها في الحياة السياسية في الكويت , و كيف ان غياب تلك القيم قد يكون عنصراً مدمراً للعمل السياسي . و في الحقيقة , فإنني وقتها ذكرت بعضاً من آثار تلاشي القيم وضعفها , و اذكر تماماً أنني تركت لفطنة القارئ الكريم معرفة الممارسات التي تملأ الفراغ الذي يتكون بسبب غياب تلك القيم .
أعود مرة أخرى الى الموضوع عينه, و لكنني هذه المرة سأتناوله تحت وقع الفضيحة المدوية لما أشات اليه جريدة القبس و تداوله الشارع حول ضخ مال سياسي كبير الى ارصدة بعض النواب، وربما لم يتسن حتى هذه اللحظة اثبات براهين قانونية ورسمية صحة هذه الواقعة, و لكن الصمت الحكومي و البلبلة النيابية تشير الى ان وراء الاكمة ما وراءها .
و لو اننا افترضنا صحة ذلك , استناداً الى سوابق متعددة فإن ذلك يعد أمراً خطيراً وذا نتائج مدمرة، ذلك ان توظيف المال السياسي وجعله اداة مهمة من أدوات الصراع السياسي ستترتب عليه نتائج عديدة تصيب البلد بأكمله في مقتل، ولن اتحدث هنا , عن حرمة الرشوة و مقام الراشي و المرتشي فذلك امر يعرفه كل ذي عقل , ولكن سأتحدث عن خطورته على بلدنا الحبيبة الكويت .
هل تعلم عزيزي القارئ بأن اثنتين من اكبر امبراطوريات العالم القديم و الحديث قد اندثرتا بسبب المال السياسي ..!! فالامبراطورية الرومانية في العهد القديم ضعفت ووهنت وقضت عليها جماعات اقل منها تقدماً ورقياً حينما أصبحت عضوية مجلس الشيوخ و الدولة ( يقابله في العصر الحديث مجلس الامة و الحكومة ) تشترى في المال , بل وصلت الامور الى الجهر علانية بتقديم المال لتسهيل بقاء شخصيات بعينها في المجلسين الرومانيين حتى تحول العمل السياسي الى سمسرة و أصبحت أعلى المناصب السياسية تذهب لمن يدفع اكثر في المزايدات ..!!
و كذلك الامر في الامبراطورية البرتغالية التي وصل نفوذها الى اقصى بقاع الكرة الارضية, ولكن الضعف والوهن دب في أوصال هذه الامبراطوية بعد أن تفشت الرشوة فيها وأصبحت ممارسة دائمة لتحقيق المنافع والمكاسب الشخصية – طبعاً لم يكن لديهم في ذلك الوقت صوت عبقري يخبرهم أن الفساد ظاهرة صحية – وهو الأمر الذي عجل بفناء هذه الامبراطوية .
لا أظن أن أحداً من الغيورين على مصلحة الكويت لن يبادر الى كشف الفساد و المفسدين و التشهير بهم , فتلك هي الخطوة الأولى لضمان مستقبل مشرق لبلدنا الكويت , فإن كان الفساد السياسي سبباً في انهيار كبرى الدول , علينا ان نحاربه بكل ما لدينا من إمكانات و عزيمة .. الأمر يتعلق في نهاية المطاف بوجودنا ومستقبلنا .
والله المستعان …
أضف تعليق