مرت الأربعاء الماضي، 28 سبتمبر، ذكرى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والحديث عن عبد الناصر لا يستدعي فقط الحديث عن مصر الخارجة من بوتقة الاعتصام لكي تقود حركات التحرر في العالم، ولكنه يستدعي أيضا الحديث عن حلم عبد الناصر، بوطن عربي واحد موحد تحت راية واحدة تقوده للتقدم.
يذكر من عاشوا أيام عبد الناصر، ويشعرون بالحنين إلى الجملة الشهيرة التي كانت تستخدم في ذلك الوقت “من المحيط إلى الخليج”، كانت تلخص حلما لدى عبد الناصر، الذي كان يرى أن امتداد مصر الحقيقي أكبر من حدودها، فهي ليست فرعونية كما أراد البعض أن يحبسها في هذه الحدود، بل هي عربية، لذلك سعى إلى وحدة مع سوريا، وأرسل جيشه للمحاربة في اليمن، وساعد الجزائر في التحرر، كان يرى أن مصر امتدادها إفريقي أيضا، لذا ساعد دولا إفريقية كثيرة في التحرر من الاستعمار، كان يرى أن مصر لها دور مركزي في المنطقة التي تتواجد فيها، ليست شقيقة كبرى فحسب، بل وقائدة أيضا، لم يكن يستخدم السلاح، ولا القوة، بل كان يستخدم “قوة مصر الناعمة”، بحسب تعبير الأستاذ محمد حسنين هيكل الشهير، من ثقافة وغناء وسينما ومسرح، فلم تكن أم كلثوم مطربة مصر فقط، بل كانت مطربة العالم العربي كله، ولم يكن يوسف إدريس، والعقاد، وعبد الرحمن الشرقاوي، وتوفيق الحكيم، كتابا مصريين فقط، بل كانوا يكتبون للعرب كلهم.
حلم عبد الناصر، الذي استمر داخل وجدان شعبه، حتى بعد رحيله، بدأ مرحلة الأفول، عندما قرر السادات أن ينفرد بسلام ظلام مع إسرائيل، أن يكون صديقا لإسرائيل، ويعادي العالم العربي، ثم جاء من بعده مبارك، الذي زاد من انغلاق مصر على ذاتها، فلم تعد حتى حاضرة في قضاياها اللصيقة بها، لم يكن لها دور في غزة، ولا القضية الفلسطينية، التي تعتبرها أمنها القومي، ولم يكن لها دور في السودا، التي كانت مصر تعتبرها جزءا منها، بل تم تقسيم السودان، بينما نجل الرئيس المخلوع جمال مبارك يسحبون مصر بعيدا إلى المجهول، زاد البعد، وزادت المشاكل بين مصر والدول الإفريقية، ونبتت مشاكل دول حوض النيل، بسبب غباء النظام السابق، توترت العلاقات المصرية مع معظم الدول العربية الشقيقة من الجزائر إلى سوريا .
أصبح واضحا الآن أن الرئيس السابق حسنى مبارك لم يهدرالمال العام فقط، بل أهدر دور مصر الخارجي، فلم يكن يهمه ولا رجاله دور مصر ولا مستقبلها ولا أجيالها القادمة، وأصبحت هناك كيانات صغيرة تسحب البساط من مصر ويكون لها تأثير أكبر بين دول الإقليم فى الوقت الذى تخلى فيه النظام السابق طواعية عن الدور مفضلا علاقته بالغرب وإسرائيل.. متخيلا أنهم سيحققون غرضه فى البقاء فى الحكم وتوريث ابنه السلطة.
لكن هل حدث تغيير فى هذا الموقف بعد خلع مبارك بفعل ثورة 25 يناير العظيمة؟
بالطبع حدث تغيير وبدت مصر وكأنها تستعيد دورها ومكانتها وأبدت دول العالم الاهتمام بمصر وبشعبها الذى قام بثورة عظيمة ألهمت شعوب العالم.. وأوضحت المعدن الأصيل للشعب الذى أصر على سلمية الثورة فى مواجهة قوى استبدادية طاغية، لكن لا يمكن أبدا أن تكون مصر الثورة وفى إطار استعادة دورها فى المنطقة يلتبسها ويلبسها حالة من الصمت الغامض.
فلم نر أى مسؤول مصرى -وهنا أتكلم عن مسؤول فى المجلس العسكرى أو على الأقل رئيس الحكومة- يذهب إلى ليبيا على سبيل المثال، لمشاركة الثورة الليبية انتصارها كما فعل بعض القيادات الغربية.
ألم يكن من الواجب أن نذهب إلى هناك بتمثيل كبير حتى لو كان ذلك بشكل براجماتى؟ فليبيا هى عمق استراتيجى لمصر ويمكن بناء تعاون اقتصادى مثمر فى ظل دولتين جديدتين تسعيان إلى بناء دولة حديثة، فضلا عن الدور الباهت على المستوى الدولى من قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية والحالة التى بدا عليها ترحيب دول الأمم المتحدة بخطاب أبو مازن وتقديمه طلبا بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين.
لقد جاء إلى مصر عقب الثورة مباشرة كثير من قيادات العالم بعدما بهرهم الشعب المصرى بثورته العظيمة ومدوا يد العون للإسهام فى بناء الدولة الحديثة، وجاء أردوجان بالتجربة التركية.. باحثا عن تعاون استراتيجى مع مصر الثورة لتقديره مصر ودورها وبشرها وتاريخها وجغرافيتها.
لكن الذين يديرون شؤون البلاد ما زالوا مغيبين عن ذلك.. وأمامهم فرصة كبيرة لاستعادة الدور.. وأخشى أن يضيع بتباطئهم وتلكؤهم.
ماذا أقول .. رحم الله الزعيم الخالد جمال عبد الناصر.
أضف تعليق