ماذا لو استيقظنا في الصباح على اختفاء الشيعة بالكامل من دول الخليج، نذهب إلى قرى ومدن البحرين الجميلة التي عاشوا فيها منذ قرون فلا نجد أحداً، نتوجه نحو القطيف والإحساء فنجدها خالية إلا من أهل السنة والجماعة والمذاهب النقية من كل شائبة، نقود السيارة صوب بيت الصديق شعيب في الرميثية لنجد فيه (واحد من جماعتنا) الطيبين المؤمنين بالعدل والمساواة وفناء الشيعة، وأخونا شعيب شيعيٌ صاحب نكتة حقيقي، قادر على زرع الابتسامة في خيمة عزاء، تصادقنا في دورة تدريبية جمعتنا في مركز الجزيرة للتدريب، لكن لضرورات المرحلة ورغبتنا بإنهاء مشاكلنا قررنا الاستغناء عن وجود كل الإخوة من الطائفة الزميلة؛ لتحقيق الاستقرار والعدل في الدولة، وكي تستطيع الحكومة العمل بحرية ودون ضغط وتربص من الدولة الخارجية لاستكمال المشروع الوطني الذي سيمنحنا كافة الحقوق ونتساوى فيه كأسنان المشط المنشود.
من هذا المنطلق قررنا القبول باختفاء الشيعة من البلد، شخصيا اتخذت أصعب قراراً وحزمت أمري على الاستغناء أيضا عن صديقي الصفوي الأجمل والأنبل، والنسبة هنا لـ صَفْوى المدينة الطيبة، وليس المشروع الذي ينام مع البعض ويأكل ويشرب معه، قررت التضحية بصديقي ورفيقي واقتطاع منزل له في قلبي على أن يختفي من المشهد الوطني المتأزم والمحتقن بسببه، وهذا الصفوي الشهم يحب الوطن ويفهمه أكثر من ثلاثة أرباع السكان، وسيقبل بتضحية كهذه من أجله وأجلهم! القائمة طويلة، وهذا أحد أسباب الانحراف الفكري والمنهجي والموقفي الذي أعاني منه، إضافة لرغبتي الملحة بتبييض وجه المؤسسة في نقاش عادل وجريء عن القضية البحرينية، استدعى أن يستيقظ بعض أهلنا الطيبين من السنّة في البحرين وغيرها على شتيمتي يوميا بأقذر ما يمكن من كلمات، وذلك بعد تأدية صلاة الفجر، وكتابة حديث نبوي في المعرف الخاص بهم، والدعاء بحماية الوطن والأسر الحاكمة، وتبادل الكذب والدجل والتزييف فيما بينهم بغرض تنظيم بازار التشويه الجماعي في الشبكات الاجتماعية على كل ملاحق الفرس في أوطاننا الصافية! نعم، القائمة طويلة، أضيف هنا جعفر البحراني ووليد السليس ومحمد الصادق، وعشرات من الأصدقاء القدامى والجدد في تويتر وفيس بوك وغيرهما، سنتجرع السم ونقبل باختفاء كل هؤلاء الوطنيين الأحرار النبلاء من أجل أن يسلم الوطن، ألا يستحق ذلك!. تأزمت الأمور في البحرين ، وقبل يومين شهدنا أحداث العوامية والمواجهات مع رجال الأمن، ويمكن للمرء أن يسجل كثيرا من الأخطاء على المحتجين والمتظاهرين، وعلى خطبة السيد النمر التي كرر فيها أزيز الرصاص وزئير الكلمات أكثر مما يجب، وتحدث فيها عن خيار المواجهة كخيار مطروح!، لكن هيهات، نقدك هذا لا يكفي، مطلوب منك أن تدين بأبشع الصفات وأقوى العبارات، وأن ترفع بيان الداخلية عاليا، فالدولة الخارجية تتربص بنا، والصفيون على الأبواب، والصحفيون – من الأصدقاء وغيرهم في تويتر – يمرون بدورياتهم على المستخدمين للتأكد من سلامتهم الوطنية، وإخوة أعزاء وأصدقاء يخطبون في الناس في لحظة توحد عظمى أن الوطن خط أحمر، من أخبرهم أنه أخضر ومستباح لدى غيرهم! وأن حبهم متفرد ومتميز عن حب الآخرين له! إلا إذا كان حب الحكومة جزءا من صفقة الانتماء الواهية وحب الأوطان، فهذه لهم الصدر فيها دون العالمين، هناك أيضا نقطة اختلاف أخرى تتعلق بالسواء النفسي.
دعونا نفترض التالي، انتزاع الحالة الشيعية وكل النقاشات والمطالب والتظلمات والاتهامات المرتبطة بالشيعة من المشهد كاملة، إخفاء قسري لطروحات توفيق السيف عن المواطنة، وشطب مقال محمد الصادق الصادم عن الهوية والعصي على الاستيعاب عند درجة ما من الوعي البشري، وهذا لا علاقة له بالدرجة التعليمية عند الفرد على الإطلاق، ماذا سيحدث؟ ماذا سينقص من عوامل التوتر والاحتقان القائمة، ستجد الدولة نفسها أمام خطاب لا مكان فيه للعبارات التالية، الفتنة والعناصر الخارجية والمشروع الصفوي والأطماع الفارسية والولاءات الخارجية إلى آخره، وستبقى مطالب العدالة والمساواة والمشاركة قائمة، سيظل هناك آلاف المعتقلين بدون محاكمة عادلة ولا محامين ولا اعتراف رسمي، وسيبقى المجلس المعين بلا تأثير فعلي في حاضر البلد ومستقبله وإن شاركت فيه المرأة، وستبقى البطالة وأزمة الإسكان والفساد عناوين صالحة للاستخدام بقوة، وسيبقى أكثر من 90% من مشاكلنا في مكانه لا يتزحزح أبدا، لن يتغير شيء، ستخسر الدولة موقعا متقدما يتيح لها تسكين الأوضاع بالتحالف مع تيار شعبي يمكن أن ينسى كل مشاكله في الدنيا إن هددته بخطر الشيعة ومشروعهم الذي يتربص بنا، بحجة أن لا نقاش في سلامة الوطن ووحدته! وستعود الدوريات الصحفية لنشاطها المعتاد مع البقية المنشقة من الراغبين بإصلاح الأحوال، تحت مضبطة اتهامات أخرى، كما فعلت مع الشيخ يوسف الأحمد بالضبط!. الحديث يطول، لكن هناك نصيحة واجبة في اتجاهين، للشيعة أولا، إن معظم مشاكلكم وقضاياكم مماثلة للآخرين، نستثني الاستهداف في الهوية والانتماء والمواطنة وهذا جارح ومؤلم وخاص، والمخرج منه لا يكون بحراك شيعي بل بالاندماج الوطني العام، ونصيحة ثانية للآخرين من غير الشيعة، الذين تسكنهم الهواجس والذين يوظفونها، المشكلة ليست في الشيعة أبدا، أغمضوا أعينكم وتخيلوا الأحوال والأوضاع والأوطان بلا رجل أو امرأة من أبناء هذا المذهب، ستجدون الأمور كما هي تماما، لكنها خالية من أوهامكم وعواطفكم الجياشة وقدرة الآخرين على توظيفها بسهولة!
ملاحظة: هذا المقال غير معني بتفاصيل الحادثة، بل بما قبلها وما بعدها، وهو ينظر بازدراء كبير لمحاولات التخويف والترهيب والتأليب مهما كانت الحجج.
علي الظفيري
@alialdafiri
أضف تعليق