كتاب سبر

مأزق الحكومة و العنقاء…

كنت قد كتبت في المقالة السابقة عن مأزقين أحدهما شامل والآخر نوعي وواجهتهما الحكومة بعد أن صنعتهما بيديها، و في حين أن المأزق الشامل شهدناه الآن في التجمعات الشعبية المتتالية والإضرابات التي عمت إدارات الدولة و قطاعاتها المختلفة, فإن المأزق النوعي في نظري يظل الأكثر خطورة و استعصاء على الحلول الحكومية المبتسرة و السريعة. 
فأما المأزق النوعي فإنه يتمثل في الاختلال الهائل في نوعية و جودة الخدمات الحكومية التي منوط بالإدارة الحكومية توفيرها و الحرص على تطويرها بتغير المجتمع من الناحية الزمنية والكمية. وإذا كان مبدأ العدالة الاجتماعية أساساً مهماً استندت إليه مواد الدستور الكويتي، فمن الواجب أن يكون هذا المبدأ حاكماً لتصورات و خطط الإدارات الحكومية المتعاقبة, وعلى هديه توضع الخطط و ترسم السياسات الاقتصادية و التعليمية والصحية والثقافية والاجتماعية.
و في الوقت الذي اكتسب فيه هذا الاختلال الهائل في نوعية و جودة الخدمات الحكومية شكلاً جغرافياً, درج الكثيرون على تسميته بثنائية المناطق الداخلية و الخارجية, فإن هذا الاختلال ساهم بدوره بعد أن دام لفترة طويلة في تعزيز هذه الثنائية. و لكن الأكثر خطورة في نظري أن ذلك الاختلال ضرب الأساسين الرئيسيين الذي تقوم عليهما الدولة بمفهومها الحديث و هما سيادة القانون و مبدأ تكافؤ الفرص للأفراد، فنحن نعرف تماماً أن غياب مبدأذ العدالة الاجتماعية يضعف و يتلاشى بغياب هذين الأساسين .
و لا يخفى على القارئ الكريم أن غياب العدالة الاجتماعية والاختلال الهائل في نوعية و جودة الخدمات التي تقدمها الإدارات لا يستهدف فئة محدودة من الكويتيين، بل هو يلحق الضرر بشريحة عريضة من المواطنين يصنفون على أنهم ذوي دخل محدود, و هؤلاء بطبيعة دخلهم الاقتصادي الأكثر ضرراً و تأثيراً بضعف مبدأ العدالة الاجتماعية، و لذلك فإن تحديث الدولة وأية جهود بهذا الاتجاه يجب أن تستند إلى فكرة المساواة في نوعية الخدمات التي تلزم الإدارة الحكومية بتقديمها, فالتعليم العام وهيكلته و مستواه يجب أن يكون موحداً في كل المدارس، بحيث أن الانتقال من مدرسة إلى أخرى يكون انتقال في موقع المكان، وليس جودة التعليم, و كذلك الأمر في الرعاية الصحية و الطبية, فمن المفترض أن تحتكم مواصفات و إمكانات المؤسسة الصحية في الكويت إلى مسطرة واحدة ليس فيها اعوجاج أو انحراف, و الأمر نفسه ينطبق على باقي الخدمات.
خلاصة القول، إن سيادة القانون ومبدأ تكافؤ الفرص للأفراد إلى جانب تصحيح الاختلال الهائل في نوعية و جودة الخدمات التي تقدمها الحكومة هو المدخل الكبير للإصلاح و اسكمال مفهوم الدولة الحديثة.
و يؤسفني ألا أخفي سراً على القارئ الكريم, و أقول له إن هذا الأمر في ظل الإدارة الحكومية الراهنة سيكون مثل البحث عن العنقاء التي راهنت العرب على أن أحداً لن يجدها..!

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.