عَلَمٌ، ودستورٌ، ومجلس أمةٍ *** كلٌّ عن المعنى الصحيح مُحرّفُ
أسماءُ ليس لنا سوى ألفاظها *** أما معانيها فليست تُعـــــــــــرفُ
بالرغم من مرور 49 عاما على الدستور الكويتي، وبالرغم من أنه يعاني من نقص، واختلالات واضحة، إلا أن السلطة ما زالت تنظر إليه باعتباره “غلطة تاريخية” قام بالحد من نفوذها تغوّلها، لذلك يجب السعي الحثيث لتصحيح هذه الغلطة!
هذه النظرة للدستور لم تتغير على مدار 49 سنة، لكن الذي تغير هو استراتيجية التعامل معه، ففي مراحل سابقة انقلبت السلطة على الدستور، وقامت بتعطيله، وحتى بعد عودته كاستحقاق لاصطفاف الشعب بجانب السلطة في الغزو العراقي، وكوفاء بالوعود التي قُطعت من قبلها في مؤتمر جدة، إلا أن الترصد بالدستور للانقضاض عليه كان خيارا حاضرا، ويلوَّح فيه بين الفينة والأخرى.. ولكن بعد فترة، ونتيجة التطورات الداخلية والخارجية، أدركت السلطة أن خيار الانقلاب على الدستور أصبح مكلفا جدا، ولا تستطيع تحمّل تبعاته، لذلك تم تغيير قواعد اللعبة.
تقوم قواعد اللعبة الجديدة على الإبقاء على الدستور كما هو، وفي نفس الوقت يتم العمل على تفريغه من محتواه، والسير على خلاف مقاصده، واتخاذه غطاءً تمارس السلطة من خلاله وباسمه انحرافاتها، وتبسط نفوذها، وتمرر ما تشاء وكيفما تشاء، فيتم انتهاك الدستور، باسم الدستور، كما أدركت أنه لا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال أغلبية برلمانية موالية “لا ترد يد لامس” من السلطة، ولا تتردد في إثبات ولائها المطلق في كل مناسبة.
وبالطبع لا يمكن توفير أغلبية بهذه المواصفات العالية.. إلا بالأثمان الغالية، فجاء دور المال السياسي الذي تبذله السلطة بسخاء لإيصال أبنائها حتى تتشكل الأغلبية البرلمانية الحكومية، ومن خلال هذه الأغلبية المُزيفة والمزوّرة أصبح الدستور كلأً مباحا للسلطة، تعبث به كما تشاء، وتفرغه من محتواه، فتُعطل الجلسات، وتُعرقل الأدوات الرقابية، وترفع حصانة النواب التي كفلها الدستور، وتحصّن نوابها الذين صدرت في حقهم أحكاما قضائية نهائية بالتزوير، ويدان رئيس الحكومة من قبل ديوان المحاسبة، ويعترف بدفع شيكات للنواب، وتقمع التجمعات، ويضرب نواب الأمة، ويحال نواب الحكومة إلى النيابة بسبب تضخم أرصدتهم، ومع ذلك يستمر رئيس الحكومة في منصبه، وبدعم الأغلبية النيابية المشبوهة، كل ذلك يتم باسم الدستور، بعد أن أعلن رئيس الوزراء أن الدستور في جيبه!
بعد كل هذه الانتهاكات للدستور، والالتفاف عليه، وتفريغه من محتواه تعلن السلطة عن تمسكها بالدستور، وحمايته، والحفاظ عليه، والاحتفاء والاحتفال به.. وحُق لها ذلك!!
بقلم: علي السند
@al_snd
أضف تعليق