كتاب سبر

الاسم يفرض نفسه

دراسة لتجربة إحدى الظواهر الاجتماعية قامت بها صحيفة الـ “واشنطن بوست” خلال الشهر الماضي، حول الإدراك الحسي والأولويات عند البشر، إذ قام أحد أفضل مشاهير العازفين في العالم، بعزف أعقد مقطوعات بيتهوفن وهو متنكر في أحد أنفاق قطارات العاصمة واشنطن!
لم يأبه المارة كثيراً بالعازف الكبير (جوشوا بيل) المتنكر، وقد جمع طوال اليوم 32 دولاراً فقط، وبالرغم من أنه قدم ذات المقطوعة في حفلة قبل يومين من ذلك، وكان سعر التذكرة الواحدة فقط 100 دولار أمريكي، والخُلاصة هي أن السمعة، واسم الشهرة تحديداً يفرض نفسه ويكون جزءاً من تقييم العمل، فلو قيل لنا أن تلك اللوحة لبيكاسو مثلاً، فإننا سننظر بإعجاب شديد، ونحن نبحث عن مواطن الجمال بها، بل ونوهم أنفسنا بالتمتع الفني فيها حتى، بينما لو كانت لوحة لفنان مبتدئ -مغمور، وإن كان فذاً- عبقرياً، فإننا سنقوم من فورنا بتشغيل آلية النقد المعتادة.
عن نفسي، فأنا ولله الحمد من قبل ومن بعد، أمتلك ذائقة فنية بدائية -ركيكة جداً جداً جدااااااً، ولكني أنظر عن بعد إلى أولئك الواقفين بتأمل مقدس أمام بعض اللوحات الفنية في أي معرض، أنا أدرك أن بعضهم وربما أكثرهم، أكثر سذاجةً مني، وربما أكثر جهلاً في تذوق اللوحات، لكنهم إما يتخيلون وإما يتظاهرون، وهذا هو (التظاهر) الوحيد الذي لا يحتاج إلى موافقة من وزارة الداخلية بالمناسبة… عموماً، فالأمران متشابهان في مجالي الفن والكتابة، فالقارئ لمقالات رئيس تحرير جريدة السياسة الافتتاحية، تراه غالباً مشدود الانتباه، متمعن التركيز، مُستحضر للذائقة، مُستطرد لما بين السطور والحروف، لكوّن المقال مُذيل باسم أحمد الجارالله ليس إلا.. ولو كان المقال مُذيل باسم (حمدي عذاب) مثلاً، فسنجد أن الكثير من القُراء، لن يُكبد عيناه عناء ومشقة النظر إلى عنوان المقال حتى.
 فالواقع، إننا في جميع مجالات الإبداع نتأثر بالدعاية والسمعة الـ (Propaganda)، ونعطيها دوراً كبيراً في تقدير العمل الإبداعي عن حق أو عن غير حق، وهذا ما يُدركه الكثير من القراء، والذين صُدِموا… بل صُعِقوا، أثناء ظهور الجارالله بِكثرة على شاشات التلفزه المحلية مؤخراً!
فما يخرُج من فيه الرجُل من كلام شيء، وما يُكتب ويُذيل باسمة شيء آخر، فألفاظ الجارالله وما يصدر عنه من طرح ونقد وتعليق، يفتقر إلى فن الإقناع، والأسلوب المشوّق، والصور الجمالية، والبلاغة في التعبير…. إلخ، والتي اعتدنا قراءتها في مقالاته خلال مشواره الكتابي الطويل إن صح التعبير واليقين، لذا فإن السؤال الذي يدور في فلك شارع الصحافة الكويتية، وفلك من هم خارج الدائرة مثلي، هو: هل هناك فعلاً من يقوم بالكتابة عن صاحب امتياز صحيفة السياسة الموقر؟ أم أن (ملكة الكتابة) هي الأخرى شيء، و (ملكة الارتجال والاسترسال) شيء آخر؟ 
‏faisalbnomer@

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.