«بدون» رأي!
محمد جوهر حيات
رُقي وتطور ونهضة الشعوب والأمم تقاس بمعايير ووحدات قياس حضارية مختلفة، من أبرزها (حفظ حقوق الإنسان) وصيانة كرامته وحسن التعامل الإنساني الراقي مع كل إنسان من دون (تمييز) ديني وعرقي ومذهبي وعنصري، فقد كرمت الأديان الإنسان وعززت القوانين الوضعية أيضاً ضرورة احترام الإنسان، وحث علماء الاجتماع والفلاسفة عبر العصور المتتالية على تقديس حقوق الإنسان المتنوعة والمتعددة، كما أن المنظمات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة التي أنشأت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948 كإعلان يوضح رأي الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان المحمية لدى كل الناس والدول، ويعتبر هذا الإعلان من أهم وثائق لائحة الحقوق الدولية مع وثيقتي العهد الدوليتين في عام 1966 الخاصتين بالحقوق المدنية والسياسية للإنسان وبالحقوق الاجتماعية والثقافية أيضاً، وبعد المصادقة على تلك الوثيقتي من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 1976 فقد أخذت هذه اللائحة الحقوقية الدولية قوة القانون الدولي لما تحمله هذه اللائحة من مبادئ سامية تجاه الإنسان وحقوقه المختلفة، وتعهد المجتمع الدولي بتطبيقها، وبالطبع لا ننسى يوماً أن دستور دولة الكويت 62 قد أعطى جميع الأفراد الحقوق الإنسانية للجميع وليست خاصة للمواطنين فقط إلا في جزئيات بسيطة وهي ثروات البلاد فهي للمواطنين وحدهم، وهذا أمر لا يعارض قيم الدستور السامية من عدالة ومساواة وحرية، ولا يتناقض مع لائحة الحقوق الدولية، فثروات الوطن للمواطنين وحدهم كونها حقوق المواطنة أما بقية الحقوق الإنسانية فهي لكل إنسان.
بعيداً عن تخبط الحكومة في التعامل مع قضية البدون، والفساد الذي طال الأجهزة المشرفة على هذه القضية، وبعيداً عن تجنيس غير المستحقين من أجل تحقيق مكاسب ومواقف سياسية مع عدم تجنيس المستحقين للجنسية، وبعيداً عن القيود الأمنية ومؤشرات الجنسية العشوائية غير الدقيقة التي تلصق بليلة وضحاها، وبعيداً عن تنظيف ملفات ذات قيود أمنية ومؤشرات جنسية حقيقية من أجل متنفذ أو (بشت)، وبعيداً عن البدون وهمومهم الكثيرة… من عدم القدرة على التحصيل العلمي والعلاج الطبي وتوثيق شهادات الميلاد والوفاة وعقود الزواج وتقليص الوظائف عليهم، والكثير والكثير من صعوبات الحياة بفضل عدم إدراك السلطتين وعدم استطاعتهما على توفير الحل المناسب لهذه القضية سواء بالتجنيس للمستحق والإقامة الدائمة للبعض، وترحيل البعض لموطنه حين يثبت فعلاً وليس قولاً وورقاً بل بالدليل الصادق والقاطع بأنه منتم لوطن آخر من دون تلفيق وتعمد من المسؤولين!
وبعد كل ما (بعيداً عن) كتبناه في السطور السابقة… لم يتقبل عقلنا استبداد وتقاعس وتعسف وزارة الداخلية تجاه الاخوة البدون الذين كانوا يرغبون في تنظيم تظاهرات سلمية في ساحة الإرادة، وهذا أبسط حق لحقوق الإنسان بأنه يعبر عن رأيه بكل سلمية من دون فوضى أو غوغائية، والتقاعس بدأ بمنع الأفراد بالتجمع بساحة الإرادة وكأن الجهابذة الأمنيين رفعوا شعار (حرية التعبير وساحة الإرادة فقط للكويتيين!) غريب هذا الإجراء أن يأتي من وزارة داخلية دولة المؤسسات والدستور والحريات بعد مرور 63 عاما على إنشاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان! هل أصبح في الكويت لا يجوز لأي إنسان أن يعبر عن رأيه ويتجمع ويتظاهر سلمياً، وهل حق التعبير فقط للكويتي، وهل ساحات الهايد بارك للبريطانيين فقط، وهل منعتنا القوات الأمنية البريطانية والمصرية بالتجمع بساحاتهم إبان الغزو العراقي الغاشم وقالوا لنا لا يحق لكم التعبير، وهل الكويتي هو الكائن الوحيد إنسان؟! أمر مخجل مع الأسف، ولكن لابد أن يعلم جهابذة الأمن أن الإنسان يستطيع نوعاً ما أن يواكب ويصارع الحياه ومشاقها من دون أن يتزوج، وينتظم تعليمياً ويؤَمن وظيفياً ويُرعى صحياً، ولكن لا يستطيع الإنسان أن يحيا ويعيش دقيقة في هذا الكون الواسع من دون أن يعبر عن رأيه بكل حرية!
نعم… نرفض الفوضى إن وجدت يوماً من قبل المتظاهرين، ونؤيد سلميتها دائماً، ونرفض تعسف السلطات الأمنية ونؤيد تطبيقها للقانون بالطرق الحضارية، ولكن السؤال المحير للغاية… إلى متى التمييز، ومتى نعامل الإنسان كإنسان؟!
أضف تعليق