عندما نكتب عن الانتخابات وجوانبها، فإننا من المفترض أن نتحدث عن الديمقراطية، وعندما نقرأ حول الديمقراطية، فإننا نجد العدالة هي أحد مبادئها الرئيسية. إلا أن العدالة ربما تكون غائبة عن ديمقراطيتنا، وللأسف بفعل ومساهمة بعض النواب السابقين والحاليين ومشاركة وصناعة حكومية، عندما أقروا الدوائر الخمس دون مراعاة للتوزيع الجغرافي والديموغرافي للدوائر الانتخابية. وهذه ربما ليست النقطة الوحيدة المعبرة عن النقص في ديمقراطيتنا، وإنما هناك العديد من النقاط، إلا أننا سوف نركز على هذه الجزئية لما لها من ضرر كبير على تمثيل المواطنين وعدم المساواة لحقوقهم في بعض الدوائر. فمن غير المنطق أن يمثل الدائرة الثانية عشرة نواب في مقابل عشرة نواب للدائرة الرابعة أو الخامسة. وإضافة إلى أن هذه الجزئية تعد نقصًا في ديمقراطيتنا الانتخابية، فإنها تمثل أيضا محل انتقاد من قبل أغلب المراقبين لمجريات انتخاباتنا. فمن المعروف أن كل الديمقراطيات في العالم تراعي النسبة والتناسب بين الناخبين ومن يمثلهم، ولعل أبرز وآخر دليل على ذلك، العملية الانتخابية الحديثة في العراق التي تمت بصياغة أمريكية.
ويبدو أن أول انتقاد وجه لتوزيع أصوات الناخبين في الكويت كان في أعقاب انتخابات 2008، وذلك من قبل لجنة المنظمة الدولية لنشر التقارير الدولية حول الديمقراطية Democracy Reporting International (DRI)، وأوصت اللجنة بإعادة النظر في ذلك الجانب، إلا أن الوضع لم يتغير وغيب إعلاميا، ولم يأخذ حقه في النشر. ونتمنى أنه كان تقصيرًا، وليس إخفاءً للحقيقة. وجاء آخر انتقاد من قبل لجنة المراقبة الخارجية على انتخابات مجلس الأمة 2012، التي تشكلت من(34) خبيرة وخبيرًا من المجتمع المدني، قدموا من (16)دولة عربية وأوروبية وأمريكية (تشمل كندا وأمريكا)، فقد قدمت اللجنة تقريرًا حول التقييم العام للعملية الانتخابية وأهم الملاحظات والتوصيات، وكان أبرزها أن توزيع الدوائر لم يراع التوزيع العادل للناخبين؛ بحيث تفاوت عدد الناخبين بين الدوائر من (45,402 ) في الدائرة الثانية و(113.409 ) في الدائرة الخامسة، في الوقت الذي يتساوى فيه عدد المقاعد (10 مقاعد لكل من الدوائر الخمس) ما يعكس تفاوتًا كبيرًا في الحجم التمثيلي للمقعد الواحد.
ولو نظرنا إلى العدد الإجمالي للناخبين في جميع الدوائر، لوجدنا أنه يبلغ( 400296)، يمثلهم في المجلس خمسون نائبًا، وبالتالي فإنه ربما من الإنصاف أن كل حوالي ثمانية آلاف ناخب وناخبة يمثلهم نائب واحد فقط، إلا أن ذلك لا يتماثل في الواقع مع التوزيع الانتخابي لدوائرانا. وسنضع الجدول التالي لنبين الصورة أكثر؛ لأن هناك الكثير ممن يلتبس عليه الموضوع إما لجهل أو لتجاهل:
وأخيرًا وبناء على ماسبق، وانطلاقا من المادة السابعة في الدستور الكويتي التي تقول إن العدل والحرية والمساواة هي دعامات المجتمع؛ فإننا نتمنى من النواب الجدد وخاصة القانونيين منهم أن يتبنوا صياغة مشروع قرار يتم من خلاله معالجة الخلل في النسبة والتناسب بين عدد الناخبين وعدد النواب في كل دائرة؛ حتى تتحقق العدالة في حجم التمثيل والتوزيع الانتخابي لجميع الكويتيين؛ لأن المادة الثامنة من الدستور تكفل أيضًا الأمن والطمأنينة وتكافؤ الفرص للمواطنين. والهدف من ذلك هو إكمال أحد أوجه القصور في ديمقراطيتنا؛ لكي ننأى بها من الانتقاد الخارجي. وربما لن نستطيع تحقيق تلك الجزئية إلا بإعادة التوزيع الديمغرافي والجغرافي للدوائر أو من خلال العمل على تقليص الدوائر إلى دائرة واحدة. وبالنسبة للدائرة الواحدة ، فإن الأمر يتطلب تعديلا للدستور، وإذا ما وصلنا إلى هذه النقطة فمن الأفضل أن نزيد عدد النواب؛ ليزيد عدد الوزراء. وأملنا أن ينظر نواب الأمة إلى تعزيز مبدأ العدالة والمساواة بين جميع الدوائر، سواء في هذه الجزئية أو غيرها من القضايا والجوانب.
د.عبدالعزيز محمد العجمي
Twitter: @Dr_Abdulaziz71
أضف تعليق