تنحِّي الأسد أفضل سبيل لإحياء ذكرى الثورة
وليام هيغ
وزير الخارجية البريطاني
قبل اثني عشر شهرا اعتقلت السلطات السورية مجموعة من تلاميذ مدرسة في مدينة درعا بجنوب سورية لأنهم تجرأوا على كتابة عبارات ضد النظام على جدران مدرستهم، وأعيد هؤلاء الأطفال بعد أسبوع الى أهاليهم وأجسادهم مغطاة بالدماء والكدمات، وبعضهم قلعت أظافرهم. كانوا مجرد أطفال صغار لم يبلغوا بعد سن المراهقة، في السنوات السابقة كانوا سيبقون ضحايا تعذيب من قبل نظام الاسد دون التعريف بأسمائهم، لكن في عام 2011 استقى أهالي درعا الإلهام من الدول العربية المجاورة وخرجوا في مظاهرات اجتاحت الآن كافة أنحاء سورية.
الوضع في سورية اليوم يلقي بظلاله على أنحاء الشرق الاوسط، والاحصاءات الوحشية للقمع الذي يمارسه النظام تتحدث عن نفسها: لقد سقط ما يفوق 8.000 قتيل، بمن فيهم 380 طفلا، وهناك ما يربو على 10.000 معتقل بلا سبب وبدون محاكمة، ونشاهد في تسجيلات فيديو مشوشة يسجلها المواطنون قناصين يطلقون النار على الجنازات، وقد أصبحت منطقة بابا عمرو في مدينة حمص نموذجا لما يبديه النظام من ازدراء مشين لحياة الانسان، واعتقاده الخاطئ أن بوسعه قمع تطلعات شعبه المشروعة بعنف.
وقد دأبت المملكة المتحدة على المشاركة بكل زخمها في الجهود الدولية الرامية لإنهاء الأزمة، وتولينا قيادة عقوبات الاتحاد الاوروبي التي ترمي لزيادة الضغوط على النظام السوري وكل من يدعمون حملة الرعب التي يقودها،، ويعمل الاتحاد الاوروبي أيضا على تضييق الخناق على قدرة النظام على تمويل القمع، وذلك من خلال قطع عوائده من تصدير النفط السوري، وقد استهدفنا 100 فرد بتجميد أرصدتهم وفرض حظر سفر عليهم. كما تساعد بريطانيا بتوفير الدعم العملي والسياسي للمعارضة السورية، ومناشدتها توحيد رؤيتها تجاه سورية ديموقراطية يتمتع مواطنوها بالمساواة في الحقوق.
وعلاوة على ذلك، نعمل على التفاوض بشأن قرار ملزم يصدر عن مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف العنف وبأن يسحب النظام قواته من البلدات والمدن، ويشدد على ضرورة إتاحة دخول مؤسسات الاغاثة دون عراقيل، والإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، ويدعو لعملية سياسية بقيادة سورية تماشيا مع جهود جامعة الدول العربية، ذلك هو السبيل الوحيد للتوصل لحل سلمي للأزمة، ونحن نهيب بكل من روسيا والصين الى التعاون معنا لأجل تحقيق ذلك.
يسألني البعض أحيانا عن سبب عدم تدخلنا عسكريا في سورية كما فعلنا في ليبيا، والواقع أن الوضع في سورية أكثر تعقيدا بكثير عما كان عليه الوضع في ليبيا، فقد تلقينا بشأن ليبيا مطالبة صريحة من معارضة متحدة بالتدخل الدولي، ودعما قويا من جامعة الدول العربية لاتخاذ إجراء عسكري، وتكليفا بموجب قرار صدر عن مجلس الأمن. أما في حال سورية فلم يتوافر أي من هذه الشروط، وعلاوة على ذلك يخشى الكثير من السوريين أن يؤدي التدخل العسكري الى تأجيج الوضع وأن يكون له الكثير من العواقب الخطيرة في سورية وجيرانها، ويزيد من معاناة الشعب السوري.
الحقيقة هي أنه ليس هناك حلول سهلة للأزمة في سورية، لكن ذلك لا يعني أننا سنقف متفرجين، بل سنواصل بذل كل ما باستطاعتنا لمساندة الشعب السوري.
فسنستغل كافة السبل الديبلوماسية والاقتصادية لتشديد الخناق على النظام المجرم. وسنجعل من الأصعب عليه ترهيب المواطنين، كما سنساعد المعارضة السورية على توحيد صفوفها والاتفاق على مستقبل سياسي لسورية، ووفق ما يناسب شعبها، وسنواصل بذل الجهود لضمان محاسبة المسؤولين عن اقتراف هذه الجرائم، ذلك بالمساعدة في توثيق الانتهاكات التي يقترفها، فالمسؤولون عن قتل عائلات بمجملها، وقصف البيوت، وقتل المعتقلين، وتصفية المعارضين السياسيين، وتعذيب النساء والاطفال، لابد من تحذيرهم بأنهم سيحاسبون عن أعمالهم مستقبلا.
والاحداث التي وقعت أخيرا في حمص حين ارتكبت مجزرة شملت نساء وأطفالا تبين بجلاء أن الاسد فقد شرعيته ولم يعد بإمكانه أن يزعم قيادته لسورية، كما يتبين من أعمال العنف المتواصلة أن العنف لن يحقق النصر للنظام الذي بات يزداد ضعفا. يجب على الأسد التنحي عن الحكم لما فيه أفضل مصلحة لسورية ووحدة شعبها. وبعد مرور عام على أول محاولة للنظام لقمع معارضيه، فإن تنحّيه لإتاحة حوار حقيقي بشأن عملية الانتقال سيكون أفضل سبيل لإحياء هذه الذكرى السنوية الاولى المأساوية، والى أن يفعل ذلك فإننا لن ننسى الشعب السوري ولا حتى ليوم واحد.
أضف تعليق