كتاب سبر

أعطني حريتي لأُطلِقَ أفكاري !

يذكر لنا التاريخ سواء  العربي او الغربي الكثير من الصِدامات في الآراء والأفكار والتوجهات بين فريق  المفكرين والفلاسفة والمثقفين في مواجهة  فريق المحافظين من المتعلمين و”عوام الناس ” مدعوما من المؤسسات الحكومية لاسيما  الدينية ،وهو ما يستحق عدة وقفات ” عقلية ، معرفية ” .
لقد عانى الكثير من ” أصحاب العقول النيّرة ” من المفكرين والفلاسفة والباحثين العظماء في بداية انطلاقتهم من مواجهة الجماهير ، وكانت تواجههم صعوبات بالغة في طرح أفكارهم والترويج  لها بين ” الناس ” . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما حدث في عام 1633 حينما أدانت المحكمة الكاثوليكية الفيلسوف والعالم الفلكي جاليليو جاليلي بالزندقة وبتعارض أبحاثه الفلكية مع ما هو موجود بالكتاب المقدس ، مما ألقى بظلاله على  الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت وخاف حتى توقف عن نشر أفكاره ! ، وكذلك هي الحال مع طه حسين حينما ألف  كتابه ” في الشعر الجاهلي ” الذي أثار الجدل الواسع في الأوساط الأكاديمية وأشغل الرأي العام المصري حوله وتوالت عليه القضايا والمحاكمات حتى غيّر اسم الكتاب إلى ” في الأدب الجاهلي ” وحذف عدة فصول منه على قاعدة”  مجبر  أخاك لا بطل “! .
ذكر الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه ” حكاية الحداثة ” أنه في بداياته حينما ود الخروج إلى المجتمع ونشر أفكاره  ورؤاه نهره  وغضب منه زملاؤه وقالوا له : كيف لك أن تواجه المجتمع وأنت تحمل مثل هذه الأفكار الغير سائدة لديه ؟ !! … وهو تساؤل يجسد مقولة الفيلسوف الإنجليزي جون لوك ان ” الأفكار الجديدة هي موضع شك دائماً ، وتتم مقاومتها غالباً ، لسبب أنها لم تصبح شائعة بعد ” . وللغذامي قولٌ جميل للغاية ذكره في كتابه السابق الذي أشرنا إليه إذ يقول : ” من علامات الحدث الرمزي أن يلاقي رفضاً معلناً ، وتتقوى رمزيته بمقدار ردود الفعل المضادة له ، أما الأحداث التي لا تثير ردود فعل فإنها تظل خارج إطار المفعولية الفكرية والذهنية ، وتظل في وضع محايد حتى لكأنها لم تكن ! ” . و” أي حدث لا يترتب عنه هزة في الوعي المحافظ فإنه سيظل حدثاً تاريخياً وله قيمة تسجيلية ، ولكنه ليس رمزياً مفصلياً! ” .
أيها العرب ” المؤمنون ” … دعوا الناس في شأن ” عقولهم ” وليطلقوا العنان لمد أفكارهم ، فهم ليسوا كما تظنون أنهم ” الطلقاء المتحررون من الثوابت الدينية والأخلاقية ” . ” بل اقبلوا بآرائهم شريطة أن تكون قابلة للقراءة والاطلاع وأن يقبلها العقل ” ، وليأتوا بما تنتجه عقولهم من أفكار لا تقبلونها أنتم ! ويقبلها طرفٌ آخر تروق له ويؤمن بها . فلكلٍ منّا ثوابته الدينية والأخلاقية والاجتماعية ، لكن غيرنا لا يلتفت للعادات والتقاليد فلا نفرضها عليه كونها تروق لنا فقط ! .
لا تكونوا إقصائيين بأن تفرضوا على الجميع ثوابتكم وآراءكم وتريدون منهم أن يتماشوا ويتسقوا معها ! فمن غير المنطقي أن تكون الأفكار جلها على خط واحد وصحيح أيضاً ! . فالتطور والتغيير لا ينطلقان من نقطة الثبات العام وإنما الاختلاف في كل شيء دوماً يولّد الإبداع والتقدم .
ختاماً قبل أن أُتهم ( بالتغريبي ) ! تذكروا أنه تم اعتذار الفاتيكان في عام 1992 للعالم الفلكي جاليليو مما أدانوه به  في السابق وبنوا له تمثالاً في ايطاليا واعترفوا بخطيئتهم تجاهه ، والكتب والمصادر تشير لأهمية اكتشافات جاليليو ، وتم أيضاً منح رينيه ديكارت الفرنسي فيما بعد لقب ” أبو الفلسفة الحديثة ” وصارت فلسفته انطلاقة لدى الكثير من الفلاسفة الأوروبيين ، أما الدكتور المصري طه حسين فالآن لا يسمى بغير ” عميد الأدب العربي ” هذا غير الشهادات الفخرية التي مُنحت له من شتى جامعات العالم ! .
هذه أمثلة بسيطة لمبدعين أطلقوا المجال أفكارهم حتى شارفت عنان  السماء ، فكان الناس في أول الأمر ينفرون منهم ويصفونهم بأبشع الألقاب والصفات ، والآن التاريخ رحمهم والبشرية تستند عليهم ،، فتأملوا كثيراً وكثيراً جداً أيضاً .
 

Twitter : @ayyadq8q8

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.