كتاب سبر

إيران ابتزاز والخليج اتحاد

   تعودت دول الخليج العربية على السلوك العدواني للجمهورية الاسلامية الايرانية على فترات متقطعة,ولكنها في الفترة الاخيرة كثفت من التصريحات والحروب الكلامية والاستفزازات تجاه محيطها الخليجي العربي وخاصة السعودية والامارات, ربما لسببين, أحدهما داخلي, وهو الهروب من وضعها المحلي الذي أصبح ينحدر تدريجيا نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض عليها بسبب برنامجها النووي.والسبب الاخر, يبدو أنه خارجي ويتعلق بالاوضاع في البحرين وسوريا.
   
ومن ضمن ممارسات ايران الابتزازية والتهديدية والتعامل مع دول الخليج العربية كرهائن لديها, هو لجوؤها المستمر في كل أزمة بالمنطقة الى التهديد باغلاق مضيق هرمز الذي يمر به حوالي (40) في المئة من النفط, مما يعد تهديدا للاقتصاد العالمي.وكذلك اصرارها على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي حتى وصل بها الامر الى اتهام شركة غوغل بالكذب لانها لا تذكر اسم الخليج الذي يفصل بين ايران وشبه الجزيرة العربية على موقعها للخرائط “GOOGLE MAPS”.وكانت طهران قد حذرت في العام 2010 ,شركات الطيران من استخدام تعبير “الخليج العربي” تحت طائلة عدم السماح لها باستخدام المجال الجوي الايراني.
  
واحدث ابتزاز ايراني لدول الخليج العربية تمثل بتهديد السعودية بعدم التدخل في البحرين, وكذلك محاولاتها الجديدة لتكريس احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث ( طنب الصغرى,طنب الكبرى, أبو موسى )، حيث قامت بإنشاء ما أسمته بـمحافظة خليج فارس وعاصمتها جزيرة أبو موسى والتي ربما يغيّر اسمها إلى  ‏بو موسى بدلا من الاسم العربي أبوموسى.
  
وأعلنت أن محافظة خليج فارس ستضم جزراً أخرى من بينها طنب الكبرى وطنب الصغرى المحتلّتين، إضافة إلى جزر كيش وقشم ولاوان وميناءي لنجة وسيريك .وجاء كل ذلك بعد الزيارة المفاجئة والمستفزة للامارات ولدول الخليج الاخرى من قبل الرئيس محمود أحمدي نجاد في نهاية الشهر الماضي.
  
 ومن خلال قراءة التاريخ يتضح ان ايران دائما تشاقي ولا تلاقي اي انها عادة ما تخلق أجواء الحرب ولكنها لا تهاجم حيث تجيد خلق الازمات والاعداء للتغطية على أزمات داخلية, أو لمواجهة أزمات خارجية, أو ربما لتحقيق او المساومة حول بعض المصالح.ويبدو انها تملك ادراة جيدة حتى الان في التعامل مع الازمات.ونعتقد انها تدرك جيدا بانها ستكون الرهان الخاسر في حال دخولها في أي حرب اقليمية تساندها الدول العظمى وتهدد مصالحها.فهي تعي خطورة أن حدودها محاطة بقواعد عسكرية في كل دولة من الدول المجاورة لها من جميع الاتجاهات سواء من تجاه الخليج العربي أو أفغانستان وباكستان أو من القوقاز وتركيا.كما أنها من المفترض أن تستوعب التاريخ وتتخذ من الغزو العراقي لدولة الكويت وسقوط صدام حسين عبرة لها.

وهذه الواقعية التي يعلمها المسؤولون الايرانيون حذرت منها احدى الصحف الايرانية, حيث قالت إن بلادها تتناسى مقولة المسؤولين الإماراتيين إن بلادهم ليس ذلك البلد الحديث الولادة في الثاني من ديسمبر 1971.فاليوم تحظى الإمارات بأهمية قصوى في المنطقة وبين جيرانها من الناحية الاقتصادية، حيث هناك استثمارات عاليمة ضخمة، ويتمتع هذا البلد بمكانة استراتيجية بالغة الدقة والحساسية نتيجة لتحالفاتها السياسية والعسكرية. فهل هناك مقارنة بين القدرة التدميرية لسلاح الطيران الاماراتي السعودي ونظيره الايراني .أو القدرة التدميرية للاسطول الامريكي الخامس وبين القدرات المتواضعة لسلاح البحرية الايراني؟.
  
ونعتقد أن تزايد التهديدات الايرانية تجاه دولة الامارات والسعودية خلال الأشهر الأخيرة،ربما جاء بعد إعلان شركات اماراتية من ضمن عدة شركات دولية وقف عمليات البيع، أو أنها ستقلص أنشطتها التجارية أو تنهي علاقاتها مع الشركات الإيرانية لوقف الجهود النووية لإيران.الامر الذي أثر على اقتصادها وترتبت عليه اثار اجتماعية (رمي احدى الفتيات نفسها على سيارة نجاد احتجاجا على الاوضاع السيئة- الهتافات من قبل بعض الايرانيين في أحد الملاعب لكرة القدم بالخليج العربي), فحسب التقارير الصحفية الغربية, فان معدل معدل البطالة في ايران يتراوح ما بين (12.5) في المائة, ‏ويرتفع إلى (29.1) في المائة بالنسبة للذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً. ويبدو ان هذه الاوضاع أدت الى خلل وتخبط سياسي مما دفع الرئيس احمد نجاد الى زيارة الجزيرة الإماراتية لخلق عدو خارجي حتى يلتف حوله مواطنيه وربما ايضا للتغطية على ذلك الإخفاق.
 
   وقد يكون لجوء ايران الى خلق ذلك التوتر في هذا الوقت يتعلق بتشتيت الانظار عن حليفها النظام السوري حيث ستفقد في حال سقوطه الكثير من الاوراق السياسية التي تساهم بتحكمها في أوضاع المنطقة.أو ربما تهدف الى خلق فرص مساومة فيما يتعلق ببرنامجها النووي أو الاوضاع في سوريا والبحرين.
 

  وخلاصة القول , فان أجواء التوتر التي تخلقها طهران تأتي دائما في صالح دول الخليج العربية والدول النفطية الاخرى اقتصاديا حيث ترتفع أسعار النفط والغاز.وكذلك تزيد من تجاه دول المجلس نحو مزيد من التنسيق لتحقيق الاتحاد بدلا من التعاون ,فايران كانت سابقا هي السبب الرئيسي بنشوء مجلس التعاون لمواجهة تصدير الثورة, وربما تكون اليوم سببا في الاتحاد.

كما أن وجود ايران بوضعها الحالي الدفاعي غير الهجومي يعتبر مهما كقوة تضبط ميزان القوى الاقليمية للحفاظ على الاستقرار خاصة في ظل ضعف القدرة العسكرية البرية والبحرية لمجلس التعاون الخليجي, وانما ما يعيب هذا الوضع ويؤدي الى رفضه هو استمرار ايران ومحاولة تكريس احتلالها لجزر الامارات.ولكن ما هو أفضل من ذلك هي فرضية استجابة ايران للدعوات الخليجية العربية بمد جسور التعاون وانهاء احتلال جزر الوفاء الاماراتية (ابو موسى-طنب الكبرى-طنب الصغرى), والكف عن سياسة الابتزاز والتدخل في الشؤون الداخلية للبحرين وللدول الخليجية الاخرى.وذلك في سبيل التعايش والاتفاق لانشاء محور قوة عسكرية واقتصادية جديد في المنطقة يساهم في حفظ الامن والسلم الدوليين , ويبدو ان تطبيق ذلك السيناريو على أرض الواقع  شبه مستحيل.أولا , لرفض ايران نفسها لذلك .وثانيا , لاسباب سياسية عدة, قد يكون في مقدمتها رفض الدول العظمى لذلك المحور والتدخل بجميع ما تملك لافشال مجرد التفكير به من قبل الطرفين.
  
 وأخيرا, فان دول مجلس التعاون الخليجي العربي لا تخشى ايران بوضعها الحالي, وانما ما تخشاه هو ما يحصل في العالم من تغير, الامر الذي تتغير معه حسابات أصحاب مراكز القرار في السياسة الدولية , مما قد يعرضها لمساومة أو خيانة لا ترضى بها سواء بشأن الجزر الاماراتية أو البحرين أو سوريا أو غيرها من المساومات الجيوسياسية, كما حصل في مطلع السبعينيات من القرن الماضي , عندما كانت إيران القوة الوحيدة في المنطقة والخادم لامريكا كشرطي للخليج. وسيطرت إيران في 29 نوفمبر 1971 ,على جزيرتي طنب الصغرى وطنب الكبرى وفي اليوم التالي على أبو موسى، بعد انسحاب قوات ‏البحرية البريطانية من الخليج.

[email protected]
Twitter: @Dr_Abdulaziz71

 

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.