كتاب سبر

الخطاب المنشود .. ليس بالحدود

جاء الربيع العربي الى عالمنا العربي، وجاء معه مشروع الحكومة الاسلامية، هذا المشروع الذي  كان مغيبا منذ سقوط الخلافة العثمانية في العقد الأول من القرن الماضي، ومشروع الحكومة الاسلامية غائب عن الواقع العملي بنفس القدر الذي هو مغيب فيه عن الواقع العقلي لعوام المسلمين، اذ غاية ما يعرفه الشارع المسلم عن حكم الشرع أنه تطبيق الحدود، ولا شك أن ذلك اختزال ظالم للشريعة أصله أعداء الاسلام وابناؤه على السواء.  هذا التأصيل الظالم الذي قصر الشريعة فقط على قطع يد السارق ورجم الزاني يحتاج الى خطاب حذر متأنٍ مرحلي لبيان عوار هذا التصور، وبيان أن الحدود إنما هي وسائل يُتوصل بها لا غايات يُسعى إليها.  وهذا الخطاب الحذر يحتاج إلى أولويات مرتبة كيفما تقتضي الحاجة لايعني تقديم بعضها الإخلال بمطالب الشريعة مادام العامل بهذا البعض يعتقد وجوب العمل بجميعها. 
ولبيان ذلك أقول:
لا يختلف اثنان على أن غالب شعوب عالمنا العربي يعيش على خط الفقر فالاسلامي فقير والليبرالي فقير والعلماني فقير والنصراني فقير والشيوعي فقير، فلو جاءت حكومات الاسلاميين اليوم بخطاب وجوب تطبيق الشرع  فماذا ستتوقع استجابة هؤلاء؟؟
 إنني أعتقد أن أقلهم رفضا لهذا الخطاب هو الفقير المسلم، لكنه سيقول بناء على فكرته الخاطئة المختزلة عن الشرع ماذا سيقدم لي حكم الشرع؟. أليس يقول الحبيب المصطفى بادروا بالأعمال الصالحة سبعا، وعد منها فقراً مُنسيا!!  فهل تنتظر ممن شغله الفقر عن دينه أن يستمع إليك تحدثه عن وجوب تطبيق شرع هذا الدين!! هذا هو حال المسلم فكيف بالباقي!! لكن الخطاب عندما يكون بتقديم ما يحتاجه هؤلاء ،فهل ترى الليبرالي يرفض توفير المسكن له  أو العلماني تعليم أبنائه أو يرغب الشيوعي أو النصراني عن توفير معاشه؟!  
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: من العسير أن تملأ قلب إنسان بالهدى إذا كانت معدته خالية ، آو أن تكسوه بلباس التقوى إذا كان جسده عاريا!!  
إنني أقطع بأن هذا الخطاب هو الخطاب المنشود، القادر على كسب حياد المعارض الغير إسلامي وإرجاع الصورة الحقيقية المغيبة لحكم الشرع في ذهن المسلم. 

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.