كتاب سبر

البدون .. قصة ألم ترويها السنون

كالعادة .. يخيم الليل على عينيّ المرهقتين فأنسى النوم وأعانق السهر..
ووسط الهدوء اتسلل الى مكتبتي الصغيرة لأسحب منها كتاباً عله يسامر وحدتي مع صوت عقارب الساعة التي تشير الى الثانية بعد منتصف الليل.. فماذا وجدت ؟
انه كتاب لـ ارسطو يقول في احدى مقتطفاته: “انتهى زمن نكران الشعوب فقد تحررت الكرامة من مصطلح العبودية”
وما ان انهيت هذه الجملة حتى ضحكت من سخرية القدر لأرمي الكتاب دون ان اكمله، فحتماً هذا الارسطو لايقول الا الخرافات.
اي انتهاء لنكران الشعوب وبيننا فئة لقبوها بـ “البدون” .. يقولون انهم بدون جنسية ولكنهم يعاملونهم بدون انسانية،
يسقونهم الظلم آناء الليل والنهار ويسكنونهم في تلك المناطق المتهالكة في بيوتٍ أشبه بالكهوف فلا نوافذ وبلا تهوية وتفتقر لأبسط مقومات الحياة.
فهل تصدق يا ارسطو انهم يذوقون الويل من اجل الحصول على شهادة ميلاد تسجل وجودهم وتعترف بقدومهم وتكرّم آدميتهم التي خلقهم عليها رب العالمين فيقابلون بالجحود والنكران
ليتوه الاب حائراً لايعلم هل يفرح بقدوم مولوده ام يبكي على نكران وجوده ؟
آهٍ يا ارسطو .. ليتك تشاهد مدارسهم .. جدرانها بالية تصرخ من الوهن ولم تعد صالحة للاستخدام البشري ومع ذلك تُفرض عليهم رسوم من اجل الدراسة بها .. فأي ظلمٍ يذوقون !!
والمبكي ياصديقي انهم يعيشون بلا ضمان اجتماعي ،  ذاك الضمان الذي لايعترف بهم ولا ينظر لهم على انهم بشر وحتى بيت الزكاه قتلهم بمزاجيته فتاره يُكرمهم بفُتاته وغالباً يحرقهم بجحوده .. فعن اي نكران وظلمٍ اخبرك !
حتى التظاهر السلمي منعوهم منه .. فهل تصدق انهم بعد خمسين عاماً من الجحود خرجوا حاملين علم الارض التي ربوا عليها.. هذه الارض التي اخلصوا لها ولم يعرفوا نبضاً يضخ الدماء بأوردتهم غيرها، خرجوا رافعين رايتها هاتفين باسمها ، فإذا بقوات التتار التي لاتستقوي الا على الضعفاء تهجم عليهم وتضربهم لإخلاصهم وتركل نساءهم وتُرعب اطفالهم، لنرى تلك المرأه المُسنّه وقد غزى الشيب رأسها تهرع مسرعة راميةً بعصاها علها تلحق باولادها وتصرخ باكية تريد من تلك القوات اطلاق سراحهم ليتركوها غير آبهين بدموعها، فتسقط على الارض ودموعها تصرخ: من لنا ؟ واين نذهب ؟ والى من نلجأ؟.
لترفع يديها لرب العالمين داعية سائلة: اللهم ارزقنا الصبر وارزقنا الجنة فالمنزل منزل الآخرة ولاعزاء لمن قتل بنا احساسنا بأننا بشر.
اما ذاك الرجل .. فهو لن يشعر بمأساتهم ، فقصره الكبير جعله يتلذذ بعبوديتهم، وهو يعلم ان حل قضيتهم بيده ولكنه عشق دموعهم وتطربه اصوات انينهم.
اما انا فأرى ان رغيف المساء الذي يكتفون به لسد جوعهم لأنه اطيب من مائدته التي يوضع عليها اشهى الطعام
ومافائدة الرفاه ان لم يرافقه عدل ، ومافائدة العرش ان لم تعتليه حِكمة؟
فالانتماء لايُقاس بِصَك .. والمواطنة اهم من الجنسية فمن بارك تفجير موكب الامير يحملها ومن توفى فيه يفقدها .. فهل رأيت اغبى من تلك المعادلة؟.

كلا يا ارسطو فنكران الشعوب لم ينتهِ وكرامة الانسان لم تتحرر.. ألا اتلو عليك النبأ الاخير .. لعلك تعيد حساباتك لتوثق التاريخ؟
أرأيت الذين ضحوا بأرواحهم فداءاً للوطن في “موكبه” ، حُرم ابناؤهم من حنانهم ومن دفتر الاعمال الجليلة!
ليذوقوا مرارة اليتم وألم الجحود .. ربما لان ماقدمه آباؤهم لا يرتقي للأعمال الجليلة، فهم قدموا ارواحهم فقط
اما من هز وسطه على رخامهم ومثّل الادوار في شاشاتهم منحوه الوسام والكرامة ليصفقوا لهم ويقولوا بوركتم تلك هي الاعمال الجليلة.
ومن اتى على صفيح الخشب عابراً البحر متسللاً  ليبدأ عاملاً ، ها هو الآن احد صُنّاع القرار ويحملها بالتأسيس 
لاتقلق يا ارسطو.
وهوّن عليك .. فالمكرمة الوحيده التي تصدر لهم دون عناء او تعب والابتسامة على وجوه المسؤولين هي شهادة الوفاة .. فقط تلك الشهادة تصدر اعترافاً برحيلهم. 
عذراً ارسطو .. اعلم اني ابكيتك بتلك الانباء، ولكنها حقيقة بشرٌ اظلمت ايامهم ومازالت ابصارهم تتطلع لتشرق شمسهم وينعموا بغدٍ جديد. 
صعلكة:
خلف كل مظلوم .. بشت
إضاءة:
في المانيا تُفرض غرامة على كل من لايستخرج لكلبه شهادة ميلاد
وفي استراليا تصل العقوبه للسجن
انتبهوا .. شهادة ميلاد للحيوان 
آخر السطر:
آه يافهيد ليتك تحس فينا وتشوف بنفسك وش سوّت فينا الايام
ومابقى بالعمر كثر اللي مضى
@Lawyeralajm

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.