زادت في الايام الاخيرة التنبؤات والتصريحات حول النية في تغيير الدوائر الانتخابية وتقليص عدد الاصوات ,مما قد يرفع لهيب هذا الصيف الذي زاد من سخونته السابقة التاريخية في الحياة البرلمانية الكويتية التي فجرتها المحكمة الدستورية بإبطالها لمجلس 2012 ,الامر الذي أدخل البلاد في أزمة جديدة يبدو ان تداعياتها ستعقد الخروج من هذا المنعطف الخطير بسلام.ولو نستعيد الذاكرة لتاريخنا البرلماني نلاحظ أن الحل دائما يأتي سياسيا ولم نعهده قضائيا.فالكل يتساءل لماذا أتي هذه المرة بهذه الصيغة؟.وهل هناك ارتباط بين ذلك الحكم وبين قرار سمو الامير بتأجيل جلسات المجلس لمدة شهر؟.هل استنفذت المبررات السياسية؟.
تغيير الدوائر ,وحل البرلمان ,وإجراء انتخابات جديدة ,ليست بوليدة هذه الايام أو عادة غريبة, وانما ما هو جديد هو الحل القضائي دون وجود أزمة تسبقه أو كما تعودنا بسبب استجواب لاحد الوزراء.نحن هنا لا نعترض على حكم القضاء , ولكن يجب أن يحدث العاقل بما يعقل . لماذا أُقحمت أو أَقحمت المحكمة الدستورية بنفسها في هذا الصراع السياسي بالرغم أنها كانت تتنزه من الخوض في هذا الشأن؟.
ويبدو ان الحكومة تستسهل سيناريو الحل دون غيره من الحلول عندما تصطدم بمجلس قوي أو لايتوافق مع هواها حيث اعتدنا منها الهروب قبل المواجهة واصلاح مكامن الخلل لانها تريد برلمانا لا يثير أزمات في وجهها. لذلك نجدها في كل مرة تسعى لذلك وهي تأمل أن يأتي البرلمان الجديد بأعضاء جدد ويختفي اعضاء المعارضة الذين ترى من وجهة نظرها بأنهم من يثير الأزمات.ولكن المعادلة الانتخابية وقوى المعارضة تغيرت مما جعل نتائج كل حل تكون أكثر وطأة على الحكومة, فيحدث العكس ويعود أعضاء أشد معارضة, وتعود الخلافات بين المجلس والحكومة, ويحل المجلس مرة أخرى وتبقى الضحية هي التنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي. وربما ما يثبت ان المعادلة تغيرت هو ان الحكومة كانت تحل المجلس لانها ترفض استجوابات المعارضة المؤثرة ، ولكن المعارضة الحالية المؤثرة ذات الاغلبية توافقت معها الى حد كبير فيما يتعلق بالاستجوابات الا انها لم تكف عن إثارة قضايا الفساد من ايداعات وتحويلات وقبيضة مما أثار حفيظة حكومة الظل التي تمتلك نفوذا أكثر من الحكومة الحقيقية.
ومنتهى القول, ان مصدر التوتر السياسي المستمر يعود الى مجموعة من الاسباب التي ربما يتحملها الجميع, كمركزية القرار وضعف الحكومات وتجردها من الصلاحيات, وكذلك الخلافات الخفية بين أعضاء الأسرة الحاكمة إضافة إلى التخندق السياسي الطائفي والقبلي والعائلي واستشراء مظاهر الفساد الإداري وهدر المال العام. ومما يؤلم المتابع لوضعنا السياسي ان يرى غالبية وسائل الاعلام تساهم في ذلك التوتر, بالاضافة الى تجرد معظم النخب المثقفة من شعاراتها الديمقراطية حيث أخذت تعاني من مرض عمى الالوان الذي بدأ يصور لها قصور وفساد الحكومة على انه نجاح وانجازات حتى انها أصبحت تسير في ركب السلطة والسعي باستمرار لتلميع صورتها .
وعندما نبحث في اسباب مصدر الازمة الحالية نعتقد ان المتسبب الرئيس هي الحكومة التي تخترق القوانين وتساعد وتحمي من يتجاوز ذلك في الكثير من الحالات المهمة والمفصلية, وربما ترتب ذلك عن خضوعها لضغوط قوى سياسية أسرية وتجارية مما نتج عنه ضعفها وتخبطها.
وفي المقابل فان غالبية أعضاء المجلس بمختلف توجهاتهم قد يكونون من المتسببين ايضا في أزماتنا المتكررة لانهم يستثمرون هذا الضعف الحكومي لتحقيق مايريدون احيانا وللنفوذ والتكسب السياسي احيانا اخرى من خلال المطالبة برئيس وزراء من غير الأسرة الحاكمة كي يسهل محاكمته برلمانيا بدلا من حل المجلس ويطالبون بإصلاح النظام السياسي.وهنا قد نتهمهم بالاشتراك في تلك الازمات لانهم يتخلون عن تلك المطالب بمجرد وصولهم الى كرسي المجلس وينحرفون عن دورهم كجهة رقابية على الحكومة بتطلعهم لمصالحهم الخاصة في غالب الاحيان الا من رحم الله.
ولو أجرينا مقارنة من ناحية الضرر فيما يتعلق بالمصلحة العامة بين الاعضاء الذين من المفترض انهم يعملون بمواد الدستور ويمارسون صلاحياتهم وواجباتهم في الرقابة البرلمانية, وبين الحكومة التي تسجل الإخفاقات على جميع الأصعدة وتدخل البلاد في أزمة تلو الأخرى, بمخالفتها القوانين وتجاوزاتها وفشلها فيما يمس المصلحة العامة,نجد ان الحكومة تتفوق في الضرر لان النظام السياسي يعاني من اختلالات بنيوية، وهو بحاجة إلى إصلاح والمشكلة الرئيسة ان حكومتنا لا تزال بعيدة عن البدء بالإصلاح.
[email protected]:
Twitter: @Dr_Abdulaziz71
أضف تعليق