كلما فاض بي الحنين ذهبت الى ارشيف الذكريات واتسلل الى تلك الغرفة القديمة التي يتربع في زاويتها “البوم” الصور العتيقة .. اتصفحه واتصفح معه الشوق لتلك الايام ولتلك الابتسامة البريئة التي كنت اعيشها وانا احلم بمستقبل مشرق في وطنٍ نعطيه نبضات قلوبنا فيروينا بحبه وكرمه ويحتضننا كالام التي برّها ابناؤها فقابلتهم بالحنان
تلك مشاعر الماضي التي بدلها واقع الايام وهذا الحاضر المؤلم الذي يصفعنا بجحوده حتى ضاقت الصدور ولم نعد نقوى على الكتمان والبكاء .. وكيف نبكي وفي بكاؤنا سجن وفي كتماننا عذاب فياجارتي سامحينا فنحن لا نملك سوى الدعاء
جارتي .. وانا
هي شاعرة ومتذوقة للأدب كتبت اناملها اجمل القصائد واعذب الكلمات وُلدت في وطن احبته وبكته وواسته ورغم الوفاء لم ينصفها فأصبحت غريبة في وطنها الذي لاتعرف غيره وكل هذا لانها “بدون”
ذنبها الوحيد ذاك الدفتر الصغير الاسود الذي معه تتحدد صفاتك الانسانية وبدونه فلايحق لك التعليم ان تفوقت ولا العلاج ان مرضت ولا التكريم ان ابدعت .. فهل انت بشر؟
هي ( سعدية المفرح ) اديبة ومبدعة تغازلها اوطان الجوار وتكرمها بلاد الغرب وهي بيننا تعاني الالم والتهميش ولم ننصفها بل حتى تكريمها في فرنسا لا تستطيع حضوره لان ليس من حقها اصدار جواز فهي “بدون”
كتابها الاخير حمل عنوان ( كم نحن وحيدتان ياسوزان ) تضمنت صفحاته نهراً عذباً من ابداع الفكر وشلالا نقيا من تلاعب الكلمات ورقيق المعاني لتنشر قصائدها وتعلق في شوارع فرنسا وبلاد الضباب
ولكنه صرخ من الظلم وابكاه الجحود ليصرخ ( كم نحن غريبتان ياسوزان )
كم نخجل من انفسنا .. ولا اعلم الى اين نمضي فلا مبدع نكرمه ولا متفوق ننصفه ولا رجل قرار نقدره فضعنا بين افراطٍ وتفريط .
قاسية تلك الغربة التي يعانيها المسافر عن بلاده ولكن ماهو اقسى ان تعيش الغربة وانت في وطنك وكم نحن نتشابه ياجارتي فكلنا غرباء وهذا الوطن اختلطت علينا ملامحه فقد اختطفه ذوو المصالح وجامعو الاموال ولابسو “البشوت” اما انا وانتِ فليس لنا الا دفترنا الذي يسيل على صفحاته البيضاء دماء قلوبنا نعبر من خلاله عن بوح الخواطر ولعلنا نسلم من سجونهم.
فهم لايقبلون منا كلمة ولا نقد ويستكثرون علينا حروفنا الابجدية وحتى النوايا ابدعوا في تفسيرها وسلب الحرية يكون على الظن والشك اما اليقين فهم لايبصرونه بل هو ما يشعرونه وبما انهم لا يشعرون بنا .. فنحن سنظل في هذا الوطن غرباء.
وياجارتي اما رأيت “جليلهم” .. هو من تراقص على بلاطهم وغنى وسامر كؤوسهم فمنحوه وسام المواطنة وفقاً لأعماله “الجليلة”.
اما من يبدع بثقافته ويكتب الروائع بقصائده ويرفع اسم الوطن بالمحافل الدولية فهو ليس بجليل
فهم هكذا .. يريدون ما يشبع رغباتهم وينعش تضخم ذواتهم ويناسب مزاجهم .. فلا تحزني فنحن جميعنا غرباء
آهٍ على ايامنا .. وآهٍ من جور الزمن .. وآهٍ على وطن اُختطف فتبدلت احواله فلا نحن به هانئون ولا حال فراقنا عنه مرتاحون .. طال الخريف فتساقطنا كأوراق التوت ومازلنا بانتظار الربيع علنا نشرق من جديد.
الى .. جارتي العزيزة
لا اتبكي ولا تحزني .. فيكفي اننا نحبك .. وستظلين فراشة الوفاء التي تراقصت فرحاً بين الزهور فجمعت اجمل الرحيق ونشرت ازكى العطور.
فقصة الامس نرويها اليوم بحزن ونتطلع بدموعنا الى غدٍ اجمل ومهما طالت ليالي الغربة الكئيبة لنا موعد مع صباح مشرق ليعود وطني .. وطن النهار.
غربتها .. تحولت وطن
هاجرت الى فرنسا وهي صغيرة .. اصولها المغربية لم تكن عائقاً نحو تقبلها بالمجتمع .. تعلمت وكبرت .. تفوقت وتخرجت .. اكرموها بالجنسية الفرنسية وهي الآن وزيرة في السلطة التنفيذية.
نعم .. انها نجاة بلقاسم .. لم يهمشوها ولم ينكروها وهي التي تحمل جنسية عربية بل ايقنوا ان الوطن هو من تتربى فيه وتعيش سنواتك على ارضه فأنصفوا ابداعها لنراها اليوم “وزيرة”.
واتساءل:
ماذا لو كانت جارتي بينهم .. هل سينسونها ام سنراها تتقلد وزارة الفكر والابداع؟
إضاءة:
حب الوطن لايثبته دفترٌ وصفحة
بل المواطنة والانتماء والاخلاص والسعي لبنائه ورفع اسمه ..
هكذا أنتمي لوطني .. هكذا اكون “جليلا”
آخر السطر:
اعتذر يا فهيد .. سالفة اني اهاجر لبلد ثان انساها .. قاعد قاعد
@lawyeralajmi
أضف تعليق