نعشق ماضينا ونحب ان نتجول في صفحاته ونتأمل حاضرنا فتعصف بنا صدماته ، حتى بيتنا الذي حضننا طوال تلك السنين تغيرت ملامحه وجدرانه.
في تلك الزاويه كنا نرسم مستقبلنا الذي تعتليه شمس تشرق بالتفاؤل والحياة وعلى ذاك السقف علقنا بالونات الامنيات، فكبرنا وأظلمت شمسنا وتحطمت أمنياتنا.
عمي الذي يدير امورنا لا يعدل بيننا وكأننا ضيوف في منزلنا وغرفنا التي أصابتها الشيخوخة لم يرممها وبقيت على حالها وكأنها قضاء وقدر أما ابناؤه فغرفهم لم نشاهد مثلها حتى في الروايات مع أننا نسكن ذات البيت، خلف المطبخ يختبيء مخزنٌ صغير كان على حياة والدي يفوح من اطيب المؤن اما بعد رحيله تبدلت احوالنا وتحول مخزناً للطعام الفاسد ومنتهي الصلاحية.
والغريب اننا اعتدنا مذاقه وتأقلمت معدتنا على فساده بل حتى ألسنتنا لم تعد تفرق بين الحلو والمر واستوى معنا مذاقه
ومطبخنا الذي بخّر الحي بلذيذ طعامه لم يعد يُحضرّها بل يأتي الطعام “النزيه” جاهزاً من الخارج ويُسخّن “بالميكرويف” وجميعنا ينظر ولكن لانقوى الحديث لأن في حديثنا عقاباً وفي اعتراضنا جريمة!
اما عمي فهو مشغولٌ بعمله الذي يبدأ صباحاً ليعود بالمساء واضعاً رأسه على الوسادة، ولانعلم هل زوجته تنقل له مشاكلنا كما نعيشها أم انها تُصور له حياتنا راحةً وجنة؟.. عُزلة كبيرة بيننا وبينه وذاك الجدار المتين الذي صنعته زوجته منعنا من ايصال صوتنا له.
بكينا لواهيب الصيف وكسرة عظامنا رياح الشتاء والحال ثابت فلا يد رحمة مُدت ولا كلمة حنونة سُمعت حتى أننا من كثرة الاحباط فوضنا امرنا لله فهو اعلم بحالنا وهو اعدل الحاكمين.
يصرخ اخي الاكبر قائلاً: “يجب ان نرفع الصوت ليسمعنا”.. فيرد الآخر وقد اثقلته الهموم: “بحّت اصواتنا ولم يعد لنا حل” ، اما انا رفعت رايتي البيضاء قابلاً ان اعيش الواقع فلا حول لنا ولا قوة.. فأبناؤه صامتون وكأنهم لايروننا ولايعنيهم امرنا وزوجته تكنز الاموال لأهلها وتعّمر بيتهم ونحن في “حوش” بيتنا نستذكر ماضينا لنمسح مع حنينه دموع اليأس والظلم.
صورنا القديمة عندما قلّبناها صاحت “من أنتم؟” .. أنكرتنا ولم تعرفنا فلم يعد يبقى من ملامح الماضي الا جسدٌ نحيل أعياه التعب، كان والدي يقول إن الانسان عدو ما يجهل وليته يرى الواقع الذي غيّر مفاهيمنا لاننا عندما قتلنا الجهل بالعلم أصبحنا “جراداً” وعديمي الولاء، وكل كلمه نقولها نسأل الله بعدها السلامة وان يلطف بينا لان في بيتنا غرفه موحشة ومظلمة ومن تسخط عليه زوجة عمي تضعه بها فاتقينا شرّها وشر ابنائها الذين يُظهرون الحب ويبطنون الكُره وإنا على وضعنا لمحزونون.
كان بيتنا يُمسي على شذى الورد فأصبحنا على آلام الشوك وتحملنا أذاه
ومازلنا نرفع ايدينا الى الباري عز وجل ان يلطف بحالنا ويُحنن قلب عمي علينا فهو من المؤكد لايعلم بحالنا
فيا عمي الذي حملت الأمانة.. متى تنظر أمرنا ؟
إضاءة:
كتب الرائع محمد الرطيان “بيت العز يابيتنا”
فأحببت ان اروي له الشوك الذي غزى بيتنا .. ومن يدري لعل غدَنا اجمل ويعزنا بيتنا في ذاك الصباح الذي طال انتظاره.
آخر السطر:
ادرع بالحلال يافهيد .. ماحولك احد
دويع العجمي
@lawyeralajmi
أضف تعليق