كتاب سبر

الفرق بين التطوير والتغيير أنت يا صاحب السمو

سأبدأ هذا المقال بتشبيه يسهل علي سرد المتبقي .. الحال في الكويت كمثل شاب اشترى سيارة حديثة تعمل بالزر 
و(الجير إلكتروني) والنظر للخلف عبر كاميرا والنظر للأمام عبر مجسات. وعندما جاء هذا الشاب بسيارته لوالده الكبير في السن، طلب والده تجربة قيادة السيارة، فبادر الابن الوالد بأن يشرح له كيف تعمل هذه السيارة قبل أن يقودها فهي ليست كالسيارات التي اعتاد قيادتها، فغضب الوالد من الابن واعتبر ذلك استهزاءً بسنه ومكانته وخبرته في قيادة السيارات. ركب الولد السيارة بجانب الوالد مجبراً مقسوراً وركبت العائلة في الخلف تحت ضغط طاعة ولي الأمر. لم يعرف الوالد كيف يشغل سيارته فأُحرج وساعده ولده فازداد غضبه.. اترك لخيالكم تكملة بقية الرحلة..
هذا ما يحدث منذ سنوات قليلة، بعيداً عن يوميات اللعبة السياسية بين السلطتين، هناك تغيير كبير وشاسع يحدث في ثقافات الشعوب فلم تعد الشعوب المقادة اليوم كالتي قيدت بالأمس، أحد أهم أسباب هذا التغيير وسائل التواصل المتعددة والمتاحة بأرخص الأثمان في كل مكان وفي أي وقت، ولأن الخطاب والرأي والقرار اليوم اصبح يتجه بشكل مباشر لصاحب السمو، فليسمح لي بدبلوماسيته وقدرته على الإصغاء للجميع أن أشرح لمقامه السامي شيئا مما تغير ويتغير:
قبل 60 عاما كانت النخبة التي تتصارع سياسياً واجتماعياً لإحداث التغيير متأثرة بأفكار تبنتها من الخارج، من مصر والعراق ولبنان وبعضها من خارج المحيط العربي. لا شك يا صاحب السمو أن موجات الابتعاث ساهمت بشكل كبير بالتقاء هذه الأفكار بشباب جاء من بلدان لا تعرف من التنوير وما وصل إليه الفكر البشري إلا منتجاته في موانئها.
حتى نشأة الحركات الإسلامية كالاخوان المسلمين كان بطريق التقاء نخب بنخب في مكة على يد الأخوين المطوع، وأعني أنه لم يكن الالتقاء بالأفكار الجديدة والتجارب الخارجية أمراً سهلاً ومتاحاً لأي شخص. ورغم ذلك كان لهؤلاء القلة الذين يتبنون أفكاراً متعددة دوراً مزعجاً للسلطة على مر التاريخ، لسببين الأول عدم قدرة السلطة على فهم مواكبة هذه الأفكار الجديدة والسبب الآخر أن جزءاً كبيراً من هذه الأفكار قد تتسبب في تقليص نفوذ السلطة.
منذ 12 عشر سنة تقريباً غيَر الإنترنت مفهوم التواصل ونقل المعلومات كتابة وصوتاً وصورة، فالتقت الملايين بالملايين والأفكار بالأفكار والتجارب بالتجارب والخبرات بالخبرات، وظلت السلطة بعيدة عن إدراك أثر هذا التطور. فإذا كانت الفكرة قد احتاجت 40 عاماً لتنتشر في محيط محدود في السابق، ففي زمن الإنترنت قد لا تحتاج إلا لأيام لتنتشر في محيط لا حدود له، (ومشروع كوني2012  الذي تبناه وتداوله أكثر من  100 مليون في ستة أشهر) خير مثال.
منذ دخول الكمبيوتر منازلنا والجيل الجديد يتعرف على نماذج مختلفة لإدارة الدولة والحكم والمجتمع، ويشاهد دولا كانت أقل منا إمكانات وقدرات قد تفوقت علينا بسنين ضوئية بتصحيح نظامها السياسي والاجتماعي، فمن الطبيعي يا صاحب السمو أن يتطلع الشباب لإحداث مثل هذا ” التطوير” على نظامهم السياسي والاجتماعي، بل ليس من المعقول أو المقبول أن يظل نظاماً سياسياً أو اجتماعياً ثابتاً وانتم أعلم مني بالتاريخ. فمتى ما وجدت قوة التطوير نفسها أمام حواجز توضع أمامها دون أي إدراك لما يتطلعون له، تتحول حركة التطوير إلى “تغيير”، ببساطة لأن الطرف المقابل يقول لهم ليس هناك سبيل.
وبالمناسبة، انتبهت بعض القوى السياسية في الكويت وتداركت مواقفها من هذا الجيل واستغل بعضها –ذكاء منها- هذا التوجه الجديد لتحقيق مكاسب شعبية وسياسية لدى جيل جديد لن ينسى من ساهم في تحقيق مقاصده، إلا أن سقفها السياسي كقوى لديها تحده حسابات كثيره، لذلك فحتى القوى السياسية اليوم متوقفة حائرة فاقدة للسيطرة على هذا الزخم الذي فاقها قدرة وقوة.
استراتيجيات لا تعمل:
تعلمنا يا صاحب اسمو بفضل خيرات هذا البلد وتطورت مداركنا، وأصبحنا نتجاوز قراءة أفعال السلطة إلى ما وراءها ومسبباتها. لأن عقول السلطة لم تتطور تزامناً مع هذا التغيير، ووجدت نفسها مضطرة لاستخدام نفس الوسائل التي استخدمتها في مقاومة حركات التغيير في الأربعينيات والخمسينات وغيرها، واسمح لي بسرد بعض منها:
القبائل: لم يعد لشيخ القبيلة أي دور سياسي أو رأي في وسط قبيلة إذا ما تعارض مع أفكار الشباب، خصوصاً أنهم يدركون أنهم باتوا أدوات بيد الطرف المقاوم للتغيير، فالجيل الثالث والرابع من أبناء القبائل جيل نسي مفهوم الترحال للبحث عن الكلأ واستوطن المدينة، جيل مزج بين التمدن والوعي وهما نتاج التعليم والاطلاع وبين والمثابرة والجلد وهما خصال احتفظوا بها من تراث القبيلة.
الإسلاميون: وهنا سأتناول السلفيين التقليديين، والإسلاميين الحركيين:
التقليديين: طاعة ولي الأمر، مؤامرة، فتنة، 3 مصطلحات يستخدمها هذا الفريق، والمشكلة يا سيدي أنهم لا يدركون أن الحراك الجديد لم ينطلق من مفهوم ديني حتى يتم إيقافه به، بل العكس كلما تمت مقاومة الشباب بإسم الدين ازدادوا بعداً عن رموز وآراء الدين ببساطة لأنها لا تنسجم مع ما يعتقدونه، وسيستمر رصيد هذه الفئة بالنزيف مادامت تمارس منهجاً لم يعد صالحاً للإستخدام، ليس تركاً للدين وأصوله ولكن فهماً جديداً له كما كانوا هم يحملون فهما تجديدياً له قبل مئة عام.
الحركيين: استخدم ضدهم خطاب التخوين، وهو نفس الخطاب الذي استخدم ويستخدم في بعض الدول، تخيل معي يا صاحب السمو أنك تشارك في سباق جري وعينك تترقب خط النهاية، وهناك من اللاعبين المنافسين لك يصرخ “ثعبان ثعبان ثعبان” فهل ستصدقه أو تلتفت له؟ يا سيدي السلطة تلعب بأدوات لا يلتفت إليها الشباب!
الشيعة: عانت هذه الفئة في الكويت من التهميش السياسي منذ ما قبل المجلس التأسيسي، ثم عانت التمييز الطائفي حتى قبل الغزو، ونعلم يا صاحب السمو أنه كان لعقلك ورجاحة رأيك دور كبير في تصحيح هذا المسار، حتى بدأت الكفة تعتدل، ثم ظهرت موجة من التخوين ضد فئة هي نفسها تدرك أنها قليلة نسبياً وتخشى أن يتكالب عليها ضعاف العقول. وللأسف تأثر كثير من الشعب الكويتي بهذا الخطاب فتقوقعت هذه الفئة وبدأت بتحصين وحماية نفسها – وهذا حق مشروع لها- من خطر يهدد وجودها قد يحدث في أي وقت، واستغلت السلطة وبعض المستفيدين من داخل الطائفة هذا الأمر، وبدأ استخدامهم كسلاح ضد الشباب مجدداً، واضطر بعضهم للانصياع تحت شعار “اشحادك على المر قال: الأمر منه”.
استخدام هذه الفئة يا صاحب السمو لن يستمر كما لم يستمر استخدام القبائل ورجال الدين وعودتهم لممارسة دورهم الطبيعي مسألة وقت فالحراك الشبابي يردم هذه الفجوة بيده يوماً بعد يوم، ونخشي أن يصل بالسلطة وقت وقد خسرت كل الأطراف وليس معها ورق تلعب به.
نقطة مهمة وخطيرة قد تلخص شيئاً من التغيير الثقافي الذي أتحدث عنه، ففي دراسة أجريتها أخيراً شارك فيها 25% من الخليج، و 75% أعراق مختلفة من الولايات المتحدة، وكان الهدف منها معرفة ما إذا كان هناك فعلاً مجتمع مشترك جديد عابر للقارات بين هذه الثقافات، 70% بالمئة من المشاركين تقل أعمارهم عن 31، و 80% عبروا أنهم وإن سايروا المجتمع ببعض أفكاره في حياتهم اليومية إلا أنهم يمارسون أفكارا أخرى في عالم الإنترنت مع مجتمعات جديدة تشكلت عبر المشترك الثقافي بين المستخدمين وتنتقل هذه الأفكار شيئاً فشيئاً من المجتمع العائم إلى الحقيقي بازدياد عدد مرتاديه.
يا صاحب السمو، المجتمع الذي تتعاملون معه هو غير المجتمع الذي تراه في ديوانك العامر، والآراء التي تتعاملون معها مختلفة كلياً عن آراء وتحليلات مستشاريكم الأكارم، يا صاحب السمو هذا مجتمع جديد بحاجة لعقل جديد وفكر جديد واستشارات جديدة وحلول ترضي تطلعات جيل غاية ما يتطلع عليه أن يصنع لنفسه أبطال محليين بعد أن قرأ بطولة غاندي ومانديلا ووجورج واشنطن، نعم .. قد اختفت بعض ما يتبادر لأسماعكم من أوصاف عنصرية ضد بعض الفئات من قواميسنا فالشباب الذي يقرأ للي كوان ومهاتير، وغاندي وفولتير هو أبعد مايكون ليتأثر بمصطلح عنصري ضد فئة معينة، فممارسة السجن والحبس و”التأديب” ضدهم يجعلهم يستدعون تلك النماذج في نفوسهم لتمارس دورها في تقمص الشخصية، ولك أن تتخيل نفسية هذا الشاب ومعنوياته بعد أن تتقمص روحه شخصية مانديلا أو غاندي أو الحسين أو الرسول الحبيب عليه السلام فهل ينفع معها غاز أو رصاص أو اعتقال و تهديد؟ فلا تجدي معهم محاولات السلطة بتشريع قوانين أو قرارات تزيد الخناق عليهم، ببساطة لأنهم لن يعترفوا بها أصلاً ويجدونها إشارة خوف من الطرف المقابل منهم، وهذا مؤشر كافي لإبعاث النشاط فيهم مجدداً.
أما “المطاوعة” فقد هجر جزء كبير منهم المدرسة التي اعتمدتم عليها، واصبحوا يقرأون لابن رشد ومالك بن نبي وصدر الدين الشيرازي، والجابري والمسيري.. هؤلاء يا سيدي تجاوزوا مسار التفكير الديني التقليدي بمراحل، ونحتاج للحاق بهم.
يا صاحب السمو، قد يتطلع بعض أفراد الأسرة لتحويل النظام السياسي لما شبه بعض الأنظمة الخليجية، ولكي تعتدل هذه الرؤية من المهم أن نراجع التالي: تعيش السعودية في نهاية حقبة الجيل الثاني للمؤسس وبالتالي ووفقاً لنظريات علم الاجتماع فإنه إن طال عمر هذا النظام فإنه لن يتجاوز الجيل الثالث (أحفاد المؤسس) مالم تتدارك الأسرة ذلك بتعديلات سياسية كبيرة، أما قطر فهي تعيش نشوة وطفرة الجيل الأول ويعتبر الأمير الحالي هو مؤسس الدولة الحديثة كالملك عبدالعزيز في المملكة، فلا يمكن أبداً المقارنة بها. أما الإمارات فلكم ان تروا حجم الاضطرابات التي بدأت منذ رحيل الجيل الأول متمثلاُ بالشيخ زايد والشيخ راشد وتولي الجيل الثاني للسلطة وأنت أحكم مني في تقدير عمر مثل هذا النظام السياسي. الضمانة الوحيدة التي جعلت النظام السياسي الكويتي أكثر استقراراً هي التعديلات التي توالت على النظام السياسي في تاريخها. ومن أبجديات التحليل السياسي النظر في نظرية ابن خلدون (العصبية والسلطة) وهي محط اهتمام أصحاب  الشركات العائلية التي يتشابه نظامها مع في كثير من الجوانب ببعض أنظمة الحكم الخليجية. والتي حددت بشكل واضح أربعة أجيال كحد أقصى للحكم العائلي وقدرها ابن خلدون بـ 120 عاما، ومع تطور وسائل الاتصال والمعرفة فالمدة قابلة للتقلص بشكل كبير. وألخص أهم ما تناوله ابن خلدون بالتالي: الجيل الأول هو الجيل الذي أسس وبالتالي هو الجيل الأقدر والأحرص على خلق توازنات للحفاظ على كيان المؤسسة التي بذل من أجلها ما بذل بأفضل شكل، ثم تنتقل السلطة للجيل الثاني الذي عاش وشاهد مرحلة التأسيس فتكون إدارته تقليداً لمجتهد لا أكثر، حتى يصل للجيل الرابع الذي لم يشهد الجيل الأول بل ويعتقد أن السلطة أمر قد وجب له بسبب انتمائه العائلي ثم تنهار هذه المؤسسة وتقوم على أنقاضها مؤسسة أخرى.
أدعوك يا صاحب السمو للاطلاع على الأبحاث والاستقراءات الأخيره عن الأعمار المتبقية لأنظمة الخليج، وأجزم أن أطولها عمراً “بشكله الحالي” لن يتجاوز العشر سنين، وما نمر به اليوم حلقة مهمة لإنضاج المجتمع وتقريبه وتمحيصه ليكون مستعداً لتحمل المسؤولية للتحول ومستشاريكم الكرام المتخصصين في علم الاجتماع أقدر مني في شرح هذه الجزئية.
قبل الختام، نصحني بعض المهتمين بعدم توجيه الخطاب للمقام الكريم تحت مبررات مختلفة، لكن الحقيقة أني أمارس دوري على الأقل كوديعة مالية استثمرتها الدولة منذ ولادتي في بنك المجتمع، وأجدني مضطراً الآن إعادة “فوائد” هذه الوديعة.
يا صاحب السمو بعيداً عن الحركات السياسية وشخوص السياسيين الذين فقدوا تأثيرهم، هناك شباب يدعونك اليوم لتقود معهم مسيرة تطوير النظام السياسي لتكون أول قائد سياسي في الشرق الأوسط يقوم بعملية تطوير نظامه السياسي بنفسه ويتنازل عن بعض الميزات لأجل ذلك، كن رائداً، ولا تترك الدعوة للتطوير أن تتحول لدعوة تغيير. فالتغيير هو الثابت الوحيد..
ابنك المحب ناصر المجيبل
@NAlmujaibel

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.