دأب الناس على تكرار مقولة (دولة داخل الدولة) عند الإشارة لأي جهة أو مؤسسة بالدولة لا تعترف بتبعيتها للنظام و قوانينه أو تتجاوزه عمدا لتسير “على حل شعرها”. (هيئة أسواق المال) الكويتية و التي تأسست بموجب القانون رقم 7 لسنة 2010م لم تكن بعيدة منذ إنطلاقتها عن المشاكل و الفضائح، فقد باشرت أعمالها بمخالفات شابت تشكيل مجلس المفوضين و أولى خطواتها بالسير قادتها للمحاكم بقضايا مرفوعه من ثلاثة مفوضين أبطلت عضوياتهم.
يبدو جليا بأن الهيئة و بموجب تقارير ديوان المحاسبة المعلنه قد إرتكبت العديد من المخالفات (الجسيمة) التي تصل في تقدير بعض المراقبين و المختصين إلى مستوى الخروج عن نظام الدولة. ففي سياق ردها على ملاحظات ديوان المحاسبه زعمت “الهيئة” بأن لا اختصاص لديوان المحاسبة في مراقبة أعمالها وهو ما يخالف المادة 154 من قانون انشاء الهيئة..! كما أن الهيئة لم تقف عند هذا الحد، بل أنها حددت لديوان المحاسبه نطاق عمله و رقابته عليها و أبدت عدم إختصاص الديوان بابداء الملاحظات على مخالفات الهيئة، و أبرزها عدم تطبيق الهيئة للمادة58/3 من قانون تأسيسها. ومما يثير العجب هو أن الهيئة تزعم بأن أموالها التي تأتيها من الرسوم على الخدمات التي تقدمها للقطاع الخاص بالإضافة للمخالفات التي توقعها حسب ما تراه على الشركات الاستثمارية والشركات المدرجة، هي إيرادات ذاتية خاصة بالهيئة تنفقها كما تشاء و “ليست أموال عامة”، وهذا يخالف المادة20 من قانون تأسيسها. كما أنها تزعم بأن المادة(25) من قانون إنشائها تلغي نص المادة (7) من قانون حماية الأموال العامة في حق الهيئة، بمعنى أن الهيئة (دولة مستقلة) لا يحاسبها أو يراقبها أحد و كا أموالها هي حق خالص لها لا يدخل ضمن إيرادات الدولة.!
و بينما تتعسف الهيئة بمحاسبة و مخالفة الشركات التي تتأخر في تقديم بياناتها المالية، نجدها لم تلتزم بذلك، و لم تنجز التقرير المالي السنوي (الميزانية العمومية وحسابات الهيئة) سواء عن العام 2010 و أيضا العام 2011. و ما يزيد الطين بله قيام لجنة المفوضين بتعديل “السنة المالية للهيئة” دون اخطار ديوان المحاسبة. وهذه قطره من خرير مستمر بالهيئة يبين تهلهل و تصدع أساساتها. فإذا كان الديوان الأميري و ديوان ولي العهد و ديوان رئيس مجلس الوزراء و البنك المركزي و مجلس الأمة خاضعين لرقابة ديوان المحاسبة فمن تكون الهيئة لتعلوا بنفسها فوقهم جميعا برفض الخضوع للرقابة و التدقيق من ديوان المحاسبة؟! بل أنها من التميز و التفرد بمكان أنها أعلنت بأنها غير ملزمة بتطبيق قواعد المحاسبة الدولية أو المعايير المعتمده، وأنها الوحيده المخولة بوضع قواعد إعداد ميزانيتها وفقا ً لما يناسبها شكليا ومحاسبيا وقانونيا، و فوق كل هذا الجبروت هي الوحيده أيضا التي تراقب أعمالها..!
أعتقد بأن الهيئة ليست دولة داخل الدولة، بل الأصح أنها أصبحت “دولة خارجة عن الدولة” فهي تزعم بأنها غير ملزمة بالتقيد بأي نظام في دولة الكويت، وبأنها لا تخضع لقانون المناقصات المركزية ولا لرقابة ديوان المحاسبة، و مع ذلك تقوم بجبي الرسوم و إصدار المخالفات على الشركات و جبي أموال تلك المخالفات ثم تتصرف في كل إيراداتها دون أن يراقبها أحد ولا تخضع سوى لقانون واحد يتيم هو قانون (7/2010).
فهل يعقل أن تملك الهيئة حق الترخيص لمراقبي الحسابات ثم تطلب من بعضهم مراقبة حساباتها!! و هل يعقل أن الجهة المناط بها “تأصيل مبدأ الشفافية” لا تلتزم بالإفصاحات الخاصة بمجلس المفوضين وموظفي الهيئة، ولا تعلن عنها و تكتفي بحفظها في مكتب رئيس مجلس المفوضين؟؟ باختصار، عندما يفقد صاحب سلطة ما مصداقيته فإنه يفقد “هيبته” و تسقط عنه ورقة التوت، فهل بقي من “هيبة” هيئة اسواق المال شيء؟ أم نحن بحاجة لأن تظهر على السطح مزيد من الفضائح لنعي حجم المشكلة و عمق تأثيرها السلبي على مجتمع أصحاب الأعمال؟
@abdulaziz_anjri
((تزامنا مع الشرق القطرية))
أضف تعليق