كتاب سبر

خلافاً للأصل

وعدت أن أكتب مناقشة لما غرد به الاستاذ محمد الوشيحي ردا على بعض المغردين، وأمهلت قليلا، لكن هذا القليل امتد ليصير ” مطلاً “،إلا أنه مطلُ مكرهٍٍ ،لأن الكتابة فيمن يختلف عليه، غالباً ما تكون شاقة، إذ الأمر يتطلب فصل النفس عن النفس والتأني في البحث،ليستبين الراجح والمرجوح.
وشخصية مثل مصطفى كمال تتطلب مثل هذاالذي ذكرت،لأنك تجد المحب ينزهه عن كل عيب، أو قلما يقبله فيه، والمبغض يجسم فيه كل عيب يمكن أن يُتصور فيه، فكأن الباحث يجد فيه النقيضين، فأنى يكون بين أفراد النقيضين عموم أو خصوص من أي وجه؟!
لقد وجدت مصطفى كمال شجاعاً استثنائياً مرة، ومرة رعديداًجباناً،ومخلصاً لوطنه مرة وأخرى خائناً له، وصديقاً موثوقاً للسلطان حيناً وعدواً له في حين، وحيناًمخلّصاً للإسلام، وأحيانا متخلصاً من الإسلام، داعياً للجهاد رافعاً المصحف  في الحرب،كافراً بالمصحف بعدها.
لكنني لا أتردد في أن أقول مع كل هذه المتناقضات، أن مصطفى كمال رجل صنع دولة، مع تسليمي بأنه صنيعة دول كما سأبين في مقالي القادم.
لقد أخلص مصطفى كمال لما كان يعتقد،وبذل كل سبب ” ممكن ” للوصول،مستفيداً بما حاطه من ظروف، وأكمل عندما وصل ما كان يطلبه قبل أن يصل..  لقد كان مصطفى كمال يدور القرى ممسكاً الطباشير بيد، وأمامه اللوح الأسود يعلم أهل القرية الكتابة بالحرف اللاتيني بدلا من الحرف العربي، بعدماأصدر قانون إلغاء العمل بالحرف العربي العثماني،فأي إخلاص بعد هذا الإخلاص لمايعتقد !!ثم..أخذاًبظاهر الحوادث فإن مصطفى كمال قاتل في أكثر من جبهة،وانتصر في أكثر من جبهة،حتى قال فيه شوقي بعد حروب الاستقلال:
          الله أكبر كم في الفتح من عجب     ياخالد الترك جدد خالد العرب
فأي ملام بعد ذلك لمفتون فيه؟!
هذه مقدمة لما لاتتم الموضوعية إلا به.
وأبدأ الآن مناقشة بعض تغريدات الأستاذ محمد وأما بعضها الآخر فسيكون ضمن ثنايامقالي القادم.
يقول الاستاذ محمد:”أما حكاية الأذان فقد سأل الناس عن معاني مفردات الأذان فلم يفهموها فأمر بترجمتها”.
كان بودي ألا أقرأ للأستاذ محمد هذا التعليل الذي لا أعلم إن كان يخصه أو أنه ناقل له، إذ كيف لا يفهم الأتراك العثمانيون معنى الأذان الذي كان يتردد من مآذن مساجدهم طيلة أربعة قرون؟!
 ثم على فرض صحةهذا القول فماالموجب الملح للتغيير دون الإكتفاء بالترجمة وتعليمهم معانيه؟!
ويقول الاستاذ محمد: “أتاتورك له أخطاء لا شك، لكن حسناته تفوق سيئاته، وعهده أفضل ملايين المرات من آواخر العهد العثماني”.
أستاذ محمد من المُسلّمات أنه من الطبيعي لنا كمسلمين أن نصدر الحكم حسب ما يضبطه شرعنا، وعليه فإن حجم الإيجابية،يقدر بما ينجلب من المصلحة،أو بما يندفع من المفسدة،فأي حسنات له تحسب أمام قانون إباحة زواج الأخ من أخته بالرضاع،أو قانون مساواة المرأة للرجل بالميراث،أو إباحة زواج المسلمة من اليهودي والنصراني،وغير ذلك ممايعلم من الدين بالضرورة ويكفر به جاحده؟!
وبناء على ذلك، وأنا أوجه كلامي للمسلم الاستاذ محمد الوشيحي قبل كل شيء، هل لإيجابيات أتاتورك نصيبا من المصلحة أمام هذا السيل من المفسدة؟!
يقول الاستاذ محمد:” نعم أمر أتاتورك بتغيير الحروف من العربية إلى اللاتينية، ليتعلم الأتراك الصناعة والثقافة والتطور”.
أستاذ محمد: لاشك أن مما كان يطلبه المسلمون ولا يزالون تركاً كانوا أم عرباً هو اللحاق بركب أوربا الصناعي، لكنْ أي دخل لذلك في تغيير الحروف العربية الى اللاتينية؟!
 بل الحق أن أتاتورك إستخدم الحرف اللاتيني لكتابة اللغة التركية إيغالا منه بفصل الأتراك العثمانيين عن الحرف العربي المتعلق بالإسلام، وليس رغبة بتعليمهم لغة الصناعة وهي الانجليزية وبرهاني على ذلك،أنك ترى الغالبة الساحقة التركية اليوم شباباً وكهولاً يجهلون الإنجليزية.
ويقول الأستاذ محمد:”أتاتورك لم يكن ديكتاتورياً بالصورة التي روجها عنه كتبة البلاط العثماني”.
أستاذ محمد ربما لو استشهدت بشهادة من انقلب على البلاط العثماني،مع أتاتورك،من رفقائه ثم انقلبوا عليه لدكتاتوريته لن تقبلها،لاعتبارهم خصوماً،لكن ماهو القول في قانون القبعة الشهيرعام 1925وإلزام الناس به تحت طائلة العقوبة،والذي لم يُستثن أحد منه حتى رجال الدين،ولك أن تتصور مهانة رجل الدين المسلم الذي يلبس العمامة على أنها تيجان العرب،ليستبدل بها قبعة الغرب الكافر !!
ولن آخذ بجدية مقالة من قال إنه قد أعدم أناس بذلك.
ويقول الأستاذ محمد:
ياشباب اتركوا سالفة “أتاتورك يهودي” و”مدزوز من اليهود”، هذي أساطير ترددهاالعجايز..
أستاذ محمد،للحقيقة لم أجد في ماقرأت من مصادر مايؤكد كون أتاتورك يهودياً،فهو إبن علي رضا أفندي،بل إني وجدت من يصف أمه بأنها مسلمة صوفية شديدة التدين..لكن كونه”مدزوز من اليهود”، ليست بالأساطير التي ترددها العجايز،بل هي من الحقائق،وإن لم يكن من”دزه”من اليهود،بل صنيعة يهود كما سأبينه بمقالي اللاحق.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.