الدولة الديمقراطية.. بين أحزاب اليمين وأحزاب اليسار
بقلم.. فهد عبدالرحمن المنوخ
الدولة الديمقراطية من دون أحزاب سياسية، كمثل الطعام من دون ملح، وللأحزاب السياسية مفهوم يوضّح أهميته في بناء دولة ذات نظام ديموقراطي، فالحزب هو تجمّع قسم من المواطنين حول مجموعة من الأفكار، تتبلور في برنامج سياسي يشرح تصوّر الحزبيين في تسيير الدولة في حال وصولهم إلى الحكم عن طريق انتخابات عامة.
يؤدي الحزب في الأنظمة الديمقراطية وظائف هامة، أولها إيجاد مكان ملائم ومشترك للحياة السياسية، ثانيًا تعبئة المواطنين حول برنامج سياسي موحّد للوصول إلى الحكم في حال حصوله على أغلبية برلمانية أو بالاشتراك مع أحزاب أخرى أو بالتأثير على قرارات السلطة الحاكمة.. ثالثًا العمل الحزبي يقدّم للبلاد قادة ذوي خبرة سياسية لاستلام الحكم.
لكي لا يُحتكر الحكم من حزب واحد فقط، تبيّن لعديد من الشعوب أن الطريق الأفضل للوصول إلى حكم ديمقراطي هو في التعددية الحزبية، تبدو التعددية الحزبية ضرورة أساسية لتطبيق الديمقراطية بشكل أسلم، لأنها تعطي الحق للمواطنين بالانتساب أو لتأييد الحزب الذي يرونه أصلح للحكم أو للمشاركة فيه، فالتعددية مبدأ عام ملزم للجميع يتيح إمكانية تداول السلطة بين الأحزاب عن طريق انتخابات عامة ونزيهة، لذا لا يمكن قبول الأحزاب التي سوف تستغل التعددية الحزبية للوصول إلى الحكم والقضاء عليه تحت شعارات دينية أو بإدعاء دور تاريخي قيادي للأخذ بكل مرافق الدولة والتسلّط على ضمائر الناس وتحديد مصيرهم، مخالفةً بذلك كل مواثيق الديمقراطية السليمة وحقوق الإنسان.
رأي الحزب الواحد يدور مع التقادم في حلقات مفرّغة، يبتعد عن الإبداع والتجديد رغم حسن نية القيادات إن وجدت، لأن الحوار ضعيف في الحزب الواحد الذي يصعب عليه قبول النقد من خارج “جدرانه”، وحتى من داخله.. لأن أغلب الأفكار والقرارات تأتي من قمة الهرم الحزبي، مع ممارسة السلطة الحزبية الديكتاتورية بهذا الشكل تفسَد النفوس وتتكون “طبقة حاكمة” متمسكة بكراسيها ومناهضة للتغيير والتطوّر.
الأحزاب الديمقراطية تكون مفتوحة لكل المواطنين، أما الأحزاب الدينية أو الطائفية أو القبلية أو الفئوية فهي تولد إشكالية أساسية لأنها تقوم على الانغلاق والإقصاء وتعمل لصالح قسم من المواطنين.. هذا التصرّف يطعن بالمبدأ الأساسي للديمقراطية أي المساواة في المواطنة للجميع دون أي تمييز، هذا ما نراه مع محاولة الإخوان المسلمين وأنصارهم للسيطرة على الحكم في بعض الدول العربية لأسلمة الدولة لدمج الدين بالسياسة وإقصاء الآخرين.. بهذا سوف يتم وأد الديمقراطية وربيعها قصير العمر.
أما عن تمويل الأحزاب الديمقراطية، فمن الضروري أولًا أن تتم عن طريق التمويل الشعبي.. يحدد القانون مبلغًا معقولًا لا يجوز تجاوزه، تبعًا لمتوسط الدخل الفردي للمواطن. يتبرع به لحزبه، ثانيًا من تمويل الدولة بشكل واضح ومحايد تبعًا للقانون لإبعاد تسلّط رأس المال أو المؤسسات الدينية وغيرها ممن لهم مصلحة خاصة لاستغلال الدولة.. يتم هذا تحت إشراف محايد للإدارة العامة للانتخابات.
إن أهم مؤشرات الديمقراطية في الدولة والسلطة، ما يتم داخل الأحزاب من إدارة ديمقراطية من حيث حرية التفكير وحرية النقد والمشاركة الجماعية في اتخاذ أهم القرارات وانتخاب القادة ورقابتهم أو إسقاطهم من القيادة الحزبية.. المهم في العمل الحزبي هو الولاء لبرنامج الحزب وأفكاره وليس الولاء للأفراد.
الصراع السياسي في ديمقراطيات الدول المتقدمة تتمحور غالبًا حول أحزاب اليمين واليسار، أحزاب اليمين في ممارستها للسلطة، تميل لإعطاء امتيازات أكبر للطبقة الاجتماعية الميسورة والمقربة من الحزب، أما أحزاب اليسار فهي تهدف لتوسيع مجال العدالة الاجتماعية على أكبر عدد من الناس.. تحرك اليمين فئوي طبقي، أما اليسار فهو يهدف لرفع الطبقة الفقيرة لكي تقترب من الطبقة الوسطى.. توسّع الطبقة الوسطى هو المقياس الأساسي لتقدّم أي بلد كما نرى ذلك في الدول الاسكندنافية أو اليابان، هذه الطبقة هي المحرّك الاقتصادي والثقافي والفني والعلمي والديمقراطي في البلد وفي العالم.
أضف تعليق