قانون القمع الموحّد
بقلم.. عبدالعزيز محمد العنجري
قانون الإعلام الموحّد الجديد ضم الإعلام الالكتروني للمرة الأولى إلى جانب المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع، و للأسف فالقانون في معظم مواده جاء مشوبًا بالعموميات نظراً لصياغته بقالب فضفاض يحتمل التأويل.. لذا فإن الأدق هو تسميته “قانون القمع الموحّد”، فلا شك عندي بأنه قانون انتقامي كرد فعل على الحراك الشعبي المعارض وما صاحبه من صخب إعلامي “شوشر” على الحكومة بعضًا من خططها.. هذا القانون بالنسبة لي ولكثيرين ممن ناقشتهم حوله يعتبر قانون رجعي متخلّف يحاسب كل من يفكر بإطلاق كلمة “لا” بوجه الحكومة.. بالله عليكم، كيف يمكن للحكومة أن تصف قانونًا به عقوبات سجن تصل إلى 10 سنوات وغرامات تتراوح بين 20 ألفًا و300 ألف دينار بأنه قانون يعزز الحريات و يدعم الإعلام الكويتي؟!
وللأسف.. أعطت الحكومة لنفسها من خلال وزارة الإعلام حق الإطلاع على الحسابات المالية لأي مؤسسة إعلامية، وتمكين مراقب الحسابات من الإطلاع عليها، وإلا فإن العقوبة قد تصل إلى 200 ألف دينار.. وهذا مثال صارخ على استهداف المؤسسات ماليًا عبر الغرامات، ناهيك عن احتمالية هتك سرية المعلومات في مجال عمل خاص شديد التنافس.. فهل يحق للحكومة معرفة هامش الربح لكل مؤسسة من خلال كل أعمالها وحجم العوائد على استثماراتها بهذا التفصيل الدقيق دون وجود ضمان بعدم إفشاء هذه المعلومات لطرف ثالث؟! ما هذا الاستغباء الذي تنتهجه حكومتنا وإلى متى هذا التجنّي على أرزاق الناس وحلالهم من خلال تدجين الإعلام أكثر وأكثر.. ألا يكفينا أننا تحت وطأة حكومة هرمة نخرها السوس وتركها كيانًا هشًا لا يقوى على علاج العراقيل الموجودة، بل إنه يضع مزيدًا منها؟
وكيف يعطي القانون الجديد لوزارة الإعلام حق تعريف القواعد والنظم المخالفة لآداب الحفلات العامة، و تمكينها من إلغاء أي حفل إذا ما تبيّن لفريق وزارة الإعلام أنه مخالف “لهذه القواعد و النظم”؟ لماذا لم يتم تحديد هذه المفاهيم والمعايير؟ كما أن عبارة “احترام القانون والنظام العام والآداب العامة” قد تكررت في معظم البنود الخاصة بضوابط عمل وسائل الإعلام المختلفة، وهي عبارة مطاطة لا يمكن القياس عليها، لكنها حجة كافية للحكومة لتغلق أي مؤسسة ليست على مزاجها أو هواها.
ووفقاً لقانون الإعلام الجديد فإن وزارة الإعلام فرضت غرامات من 10 آلاف إلى 200 ألف دينار على كل من يمارس أعمال البث أو إعادة البث أو إصدار صحف إلكترونية دون الحصول على ترخيص.. وحددت غرامة لا تقل عن 5 آلاف دينار لكل وسيلة إعلامية لا تنشر رد أي جهة حكومية في العدد التالي لتاريخ طلب النشر، دون أن تأخذ بالاعتبار أي ظرف قد يؤدي لتأخر نشر الرد، ومن طرائف القانون الجديد أنه يعاقب كل من (الكاتب والمؤلف والمحرر ومقدم المادة الإعلامية و من تم إجراء الحوار معه) لا حول و لا قوة إلا بالله، أي سخف هذا الذي تسعون لمنطقته و تبريره؟ فنحن لسنا في دولة قمعية ولا نعيش في عراق صدام لنقبل أن تفرض علينا “الكلبشات” المقيدة لنا.
والمضحك المبكي أن المادة ( 16) تنص على الآتي: “يجب على الطابع قبل أن يتولى طباعة أي مطبوع أن يقدّم إخطارًا مكتوبًا بذلك إلى الوزارة مرفقًا به نسخة من مشروع المطبوع، وتصدر الوزارة قرارها بالموافقة على الطباعة أو الرفض، ويجب الحصول على موافقة الوزارة قبل تداوله ونشره”.. فما هو الحال اذا إرادت إحدى الشركات طباعة بروشور أو تقريرها السنوي، أو إذا أرادت إحدى المطاعم تغيير “المنيو”، هل يجب عليها أن تقدّم إخطارا مكتوبًا إلى وزارة الاعلام وتنتظر قرارها؟ هذه هي العموميات الفضفاضة والصيغة المطاطة التي ذكرتها بداية المقال.
وجاء في المادة (61) من القانون على أن “يجوز للوزارة أن تطلب من الجهة المختصة وقف أو حجب أي من الوسائل الإعلامية الالكترونية في حالة مخالفتها أحكام هذا القانون”.. وبما أن الثقة شبه مفقود بين الشعب و الحكومة، فمن يدري إن كانت الحكومة لن تقوم بتلفيق التهم لإغلاق أي موقع ينشر كلامًا معارضًا لسياساتها، وطبعًا لا يكتمل أي قانون حكومي بدون وجود استثناءات، حيث يستثني هذا القانون كل إعلام مرئي ومسموع ومقروء يتم وفقًا للاتفاقيات الإعلامية أو اتفاقيات التبادل التي تبرمها “وزارة الإعلام”، يعني بالكويتي “حلال عليهم و حرام علينا”.. ولن أطيل أكثر بتفصيل كل مواد القانون و شبهاته الدستورية و غيرها.. و لا أقول سوى أن هذي ديرتنا والله الحافظ والمستعان.
أضف تعليق