هناك التباس عند البعض فيما يتعلّق بالديمقراطية وخاصة من الليبراليين أو على الأقل من يدعون ذلك، على اعتبار أن بعض شرائح التيار الليبرالي ينتمون إلى التيار القومي وبعضهم اشتراكيين وشيوعيين وهي أفكار لاتؤمن إيمانًا عميقًا بفكرة صناديق الاقتراع، وتعتقد أن صندوق الاقتراع لايمكن أن ينتج فعلًا إيجابيًا ويطرحون الكثير من الشواهد على ذلك، خاصةً ما يخص رأس المال والدين.
الديمقراطية لا تعادي الدين بل تخرجه خارج إطار المماحكة السياسية وأدواتها القائمة على أن كل شئ مباح في الحرب والحب، ومادامت المعارك السياسية حروب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لكن بأدوات خاصة فكل شيء مشروع، عكس الدين الذي لا يقبل بالحلول الوسط أو “الرمادي”، ولا يعترف إلا باللونيّن الأسود والأبيض، وهذا مؤشّر على ضرورة إبعاده عن الاستخدامات السياسية من أي طرف كان.
الديمقراطية جزء من المشروع الليبرالي بعد أن كانت هي بذاتها مشروع، عندما تطوّرت النظريات حولها، حتى أصبحت أوسع بكثير من برلمان وصندوق اقتراع ومؤسسات قائمة على الأرض لتطال كل جانب من جوانب الحياة، إن على الصعيد الاقتصادي أو حتى على الصعيد الاجتماعي، وهي ليست محصّنة أبدًا – واقصد الليبرالية – عن الحوار الدائم، والتعرّض للتجديد في المفاهيم والرؤى.
لايمكن أن نكون ليبراليين ونحجر على أحد ما يعتقده أو نقصيه عن أن يكون طرفًا في العمل الديمقراطي اليومي، إلا إذا كان مايعتقده يدعو إلى العنف وإقصاء الآخرين واستخدام الدين في السياسة، أمّا دون ذلك فله الحرية كاملةً في أن يقول ما يقتنع به، وأن يعمل على تكريس قناعاته على الأرض باعتبارها جزءًا من الأفكار التي تطرح، فإذا كان لها قبول من الشارع كان بها وإلا فإنها تذهب جفاء.
لا يمكن أن يقبل الليبرالي أن تصادر حرية أحد بحجة أن أفكاره لاتعجب العسكر أو أن أفكاره لا تعجب القومي أو الاشتراكي أو الشيوعي، وإذا قبل بمثل ذلك الوضع فهو يدق أول مسمار في نعش الليبرالية التي يدعو لها ويبني مبادراته عليها، فكل تلك الأفكار التي وردت في الفقرة الأخيرة لا تقبل بالرأي الآخر، وقد جرّبت تاريخيًا وسقطت كلها مع تطوّر الأوضاع السياسية في بلدانها، ولم يبق سوى الليبرالية لأنها تحترم الآخرين، حتى وإن لم تعجبنا أفكارهم ما دامت لا تدعو إلى العنف.
أضف تعليق