عندما ركب كل هذا الموج البشري قطارالحراك الشعبي للمطالبة في الإصلاح ومحاربة الفساد ورعاته، بعد أن وصل الحال في البلاد إلى مرحلة خطيرة جدًا، وأصبح معها طريق الإصلاح صعبًا، كان لا بدّ أن يخرج من يريد الخير لبلده، ومن كان يطلق عليه شعب مكاري في يوم ما ليطالب بالإصلاح، متحديًا الحر والبرد والقمع.. من أجل المحافظة على مبادئه ودستوره الذي تم التوافق عليه عند الاستقلال، ومرورًا بتجديد العهد لمؤتمر جدّة الشهير، ولم يكن من أجل عيون أحد.
ركب الجميع القطار ولم يسأل عن أطياف من شاركه الكبينة، بل كان الهم الوحيد هو الكويت.. كلهم في نفس القطار مطالبهم وهدفهم واحد، وعندما يتحقق الهدف المرجو ويصل القطار للمحطة، هنا بالإمكان أن نرى حل لكل اختلافاتنا، والتي لن يكون هناك صعوبة في إيجاد الحلول التي تناسب الجميع، ما دمنا لم نختلف على الأساس وهو المصلحة العليا للبلاد.
كان هناك زخم شعبي، وكان من المفروض إدامة هذا الزخم والمحافظة على استمراره للوصول للهدف، ولكن الهدف مع كل الأسف لم يكن واضحًا وجليًا عند بعض الأخوة في المعارضة، بل كان هناك قصور في المناورة، وعدم إلمام في العمل السياسي رغم وجود من كنّا نظنهم لاعبين أساسيين في الحقل السياسي الكويتي.
وجدنا أنهم لم يقرؤوا الساحة جيدًا، ولم يحددوا الأهداف بوضوح، بل ذهبوا لأبعد من ذلك وأخذتهم العزّة والغرور، عندما رؤوا كل هذه المجاميع التي هبّت تلبية للواجب الوطني، فتمادوا في الخطابات الارتجالية والشخصانية أو التي تخاطب العواطف، وهذا مع كل الأسف هو ما أدى إلى الانحراف عن الأهداف المحددة التي خرجت من أجلها المجاميع، والذي أدى أيضًا إلى انحراف المسارات عند أغلب الأغلبية، مما أدى لهبوط الحماس الشعبي.
لقد كانت تكريرًا لكل الأخطاء التي وقعوا بها، عندما تفاءلنا بأغلبيتهم المريحة داخل قاعة عبدالله السالم، والتي شاهدنا فيها كيف كانت الحكومة تسير في فلك ما يريدون، ولكنهم لم يعرفوا كيف يستثمرون الأوضاع بذكاء، ظنًا منهم بأن اللعبة وخيوطها أصبحت بأيديهم، وأنهم حققوا ما يريدون.
هل هناك قصور في المناورة السياسية لدى الأخوة في الأغلبية، أم جيّر بعض الأطراف الحراك لمصالح انتخابية ضيّقة فقط، أم انجرف العمل خلف ما يدغدغ عواطف وحماس المجاميع الشبابية، وهذا بحد ذاته توهان سياسي، وخطأ في تقدير الموقف.
الحقيقة المرّة التي لا أتمنى أنني مصيب بها، هي عدم وجود الدهاء والاحتراف السياسي لدى أغلب الأخوة الأعضاء لاختلاف المذاهب السياسية، وتنوّع الأطياف التي تجمعت لهدف قريب، توصّلت له وهو الكرسي وهدف بعيد لم تستطع أن تفي بوعودها للوصول إليه، فتاهت خلف الأماني والأحلام والوعود الغير ممكنة، فتناسوا نظرية إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع.
كلنا نعرف بأن حكوماتنا السابقة لم تكن تختلف عن بعضها، بل أجزم بأنها مكررة رغم تبادل الأدوار والأسماء، فالتخبّط والضعف والارتباك سمة لكل الحكومات في بلاد حباها الله من الخيرات ما يكفي ان يحل كل مشاكل العالم العربي مجتمعةً، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه.
إذن.. تقابل ارتباك وضعف الحكومة مع أغلبية لا تعرف بوضوح ماهي الأولويات ومن أين تبدأ، أيها الأعزاء ان السياسة هي فن الممكن ومن أراد العمل في هذا الحقل عليه أن يملك أبجدياته، أما إن كانت طريقة الوصول لكرسي الرقابة والتشريع بواسطة القبيلة والطائفة والجماعة وحب الخشوم ودغدغة مشاعر الناس، فلن نصل لمفهوم الدولة الديموقراطية الشاملة، التي تؤمن بالقانون والعدل والمساواة
بكل الأسف.
أكتب هذا وأنا أتألم لما يحصل في بلادي من تفرقة وتشرذم وتسلّق ووصولية وفساد يزكّم الأنوف، ولا يوجد حكماء يسمع منهم الرأي السديد، بل أصبح الحرامي والمتسلّق وسقط القوم هو من يتصدّر المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
بعيدًا عن العواطف، يجب أن تحدد المعارضة أهدافها المعقولة، وتضع أجندة واضحة للمطالب بعيدًا عن التكرار الممل للشحن العاطفي الذي انتهى مفعوله، والشيخات المملة والتي تعزز المفهوم القبلي كما شاهدنا، مما انعكس على المجاميع الوطنية التي لا تنتمي للقبيلة، ففضّلت الابتعاد، اعتقادًا منها بأن الحراك اختطف او اختزل بالقبلية وهذا غير صحيح.
أتمنى أن يكون هناك حشد للمطالبة بعقد دعوة لمؤتمر وطني للمصارحة والمصالحة، وجدول أعمال واضح المعالم والأهداف، وبعيدًا عن المصالح الذاتية الضيّقة، ولتكون الكويت ونظامها الدستوري الجميل هي الهمّ المشترك.
السؤال هو:-
هل نحن حقًا أحفاد أولئك الرجال الأفذاذ من أسرة وشعب الذين صنعوا تاريخ الكويت ودستورها المجيد، أم أن النار ما تورّث إلا الرماد.
بقلم.. سلطان المهنا العدواني
أضف تعليق