كتاب سبر

“لا فراعنة دون استخفاف”

 الفرعنة لا تأتي من فراغ بل من قابلية من الحاكم لها وقابلية من المحكوم بها
وفي ذلك يقول تعالى عن فرعون:”فاستخف قومه فأطاعوه”.
فاتفقت القابليتان، قابلية فرعون للفرعنة، وقابلية قومه بها.
 والفرعنة لا تتمكن من الطاغية باستعداده الشخصي، بل وبجلسائه ومستشاريه، وذلك حين يقول المولى حكاية عن الملأ والمستشارين:” قال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك”؟! ثم لما قال فرعون:”إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون”؟ كانت إجابتهم تأييدا وزرعاً لفرعونيته: “أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحّار عليم”..قابلية شخصية وإعانة خارجية!!.
 ولما كان فرعون يعلم بأن الفرعنة لا تكون دون قابلية الآخر، نادى في قومه بملَـئِه وإعلامه مختبرا مدى قابليتهم لما سيؤسس عليه نظامه قائلاً: “ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون”؟!  يريد أن يغرس فيهم تفضله عليهم بهذه النعم، وأنه لولاه لما حصلوا عليها.. وهذا هو دأب غيره ممن بعده على مثل شاكلته في سلب الحقوق من الشعوب ثم تقديمها على هيئة منح وهبات، كلما دعت الحاجة.. ثم راح بعد هذا التهويل لنفسه يقلل من شأن معارضه في القوم خشية أن يفسدهم عليه فيقول:”أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين”؟!..يعني سيدنا موسى..ثم مرة أخرى يخيفهم ويرهبهم منه ويقول :”إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد.. ثم يطلب تفويضا بالقتل فيقول:”ذروني أقتل موسى”..كما هو دأب غيره من فراعنة اليوم في تسخير الإعلام لقلب الحقائق وتشويه المعارض بتلفيق التهم لكل من ينادي بالإصلاح، فمرة إرهابي، ومرة عميل متصل بدولةٍ عدوة، ومرة خلية لقلب نظام الحكم،وأخرى خوارج..، إلى غير ذلك من مثل هذه الأطروحات للتمكين للفرعنة ونظام الفرد.
لكن هذه دعاوى تُستخف بهاعقول القوم، فهل يقبل القوم بها؟!..نعم لقد قبل قوم فرعون باستخفافه فأطاعوه، لقد ألغوا عقولهم أمام أقوال كبار كهنة البلاط، لقد صدقوا إعلام النظام وصموا آذانهم عن غيره، ووثقوا برجال البلاط، وتركواالمخلصين، وفي ذلك يقول تعالى:”وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم”؟! لكنهم لما كانوا قابلين للاستخفاف،أبوا: “فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين”، فكان أن كان هؤلاء الطائعون سلفا ومثلاً للآخرين من الأقوام والشعوب القابلة للاستخفاف والتي تؤسس به للفرعنة والطغيان…

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.