كتاب سبر

كرامة حيوان

قال تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً”.. في ظل النقص الحاد الذي نعيشه في متطلبات الحياة الكريمة، كثيراً ما يقف النقاش المحتدم في متطلبات وطموحات الإنسان وأُقْحَم في جدال عقيم عندما يعزفون المقطوعة الشهيرة: “ماكلين شاربين نايمين”، وبعد تكرار النغمة، آثرت على نفسي بأن أجلس معها في خلوة حتى أفصل بيني وبينهم في “مراد وطموح الإنسان”، ربما يرون الحياة بسيطة وأراها معقّدة وفيها من التحديات الكثير والمثير للتفكر والتفكير، أو ربما تكون وجهة نظرهم أن الكرامة المرجوّة شيء خارج عن إرادتنا ولا يمكن تحقيقها في زمننا هذا، أو ليس بالضرورة تحقيقها في حاضرنا ومستقبلنا؟
ولكن… من يتمعّن في الجملة جيدًا سيجدها تصف “طموح الحيوان” لا طموح وآمال الإنسان المكتوبة في سُنة الحياة وموثقة في دستورنا المقبور “مادة 29″، فالإنسان خُلق ليطوّر ويتطوّر ويفكّر ويبتكر حتى يتقدّم، وبالتالي تزدهر حياته بالكرامة، ولذلك مُيّز عن سائر المخلوقات بنعمة “العقل” ليخدمه في سعيه نحو حياة كريمة، لا لأن يعيش عيشة البهائم، يأكل ويشرب وينام.. ويساق بالعصا، فهل هذا أقصى طموحاته.
ربما قصور وعي هذه الفئة أدى لقصور طموحهم وآمالهم عند هذا الحد، فمن يقرأ الدستور -رحمه الله- قراءة عابرة، حتمًا سيعرف أن هناك حقوق وواجبات على كل مواطن وعلى كل مسؤول ذي سُلطة، فمن واجبات السلطة إحقاق حقوق الشعب، كما أن على الشعب واجبات يقوم بها، كأن يذود عن المال العام ويُنادي بمحاسبة صاحب اليد التي امتدت إليه، وأن يطالب بإقصائه لاستغلاله لمنصبه شر استغلال ومعاقبته بأشد العقوبات، نعم.. عليك بالمطالبة بتطبيق القانون الذي يطبق عليك فقط ويزخرف عندما تخطئ أنت أو من لا يد له مع السلطة، أما عندما يخطئون هم،
تراهم يحرفون القوانين ويحتالون عليها حتى لا يدان أحدهم، وحتى يستمروا بنهب الثروات وهم مطمئنون لا يروعهم صوت رقيب أو حسيب، ولكن عمّك “أصمخ” والشعب “مرعوب”.
إن حق توفير المأكل والمسكن يأتي ضمن حق الرعاية التي تتكفّل به الدولة، وللأسف هي مع ذلك لا تقوم به على أكمل وجه، فهي متهاونة،لأننا اتخذنا الصمت دواءً لكل داءٍ يصيب الوطن، فالصمت هنا تنازل عن الحق وإحقاقها فـ”بذرة الصمت عن الحق لن تثمر إلا باطل علقم ستُكره يوماً على تذوقه وابتلاعه”، فإن لذة الأكل والشرب، سنجدها في توفير الوظائف للمواطنين دون “تمييز” وسنجدها في الحد من جشع التجار الذين عاثوا في “الأرفف” غلاءً وفي المرافق استشراءً حتى تورّمت أرصدتهم في البنوك تُخمة من أموالنا وأقوات يومنا، أما كلمة “نايمين” فنحن مستسلمين لغيبوبة الوهم، فالنوم المرجو هو النوم الهنيء الذي تتكفّل معه الدولة بالسهر على راحة المواطنين وسلامتهم بتوفير الأمن والسكن والرعاية الصحية والتعليمية، إلى آخره من أسباب الطمأنينة العامة.
عزيزي المواطن.. إذا لم تكن تعرف ماسبق فهذه مصيبة وإن كنت تعرف فالمصيبة أعظم، فكيف تريد التقدم لمجتمعك وتأمين الحياة الكريمة للأجيال القادمة والأموال العامة وضعت في “كيس” منقور من كل جهاته، والعجز يتكور على مزاجهم، فإذا كنّا نرى مطالبتنا لحقوقنا كفرًا بالنعمة التي هي من عند الله أولاً وأخيراً “ألا إن الكفر بالنعمة التفريطُ بها”، ونوصف بالطماعين الفارغين، وباللفو والمندسين والغوغائيين، كل هذا ليبعدوننا عن مسرح جريمتهم الكبرى التي ستستمر أبد الدهر ما لم نضع لها حدّاً، نعم نحن بمطالباتنا سنقطع طريق آكل أموالنا بغير حق وسنحول النكسة إلى نهضة، والانحدار إلى ازدهار، أما غير ذلك فلن يجدي مع المفسدين نفعاً، لأنهم لا يرقبون فينا ديناً ولا ذمّة.
إن المطالبة بالحقوق ليست افتعال أزمة كما تدعي السلطات وبعض قنوات الإعلام، فلكي نصل إلى مستوى حاضر مرضي ومستقبل زاهر يجب أن لا نكل ولا نمل من المطالبة بتوفير “حقوقنا” دون تهاون أو “طبطبة”، فكفى صمتًا فإن صمتنا همّشنا وجعل نظرتهم حادة بلا حياء فطالت أيديهم بلا استحياء، وكفى تصفيقًا لفشلهم ومراعاةً لتخاذلهم وتهوينًا لتدليسهم المتسلط المتكرر، فأولى خطوات الطمأنينة هي محاسبة أي مسؤول تخاذل واستغل منصبه وسرق، فمحاسبتهم ليس بتكديس قضاياهم وملفاتهم في أدراج الدولة “القمعية”، فالقمع لدينا مزدوّج.. قمع حريات وقمع ملفات المتخاذلين سرًا وعلانية .
علينا الوقوف صفًا واحدًا لنُشير إلى المفسدين في وطننا ونقولها بكل جرأة “هؤلاء خانوا الأمانة” ولا يستحقون الثقة المتكرره والترقيات المبطنة والصلاحيات التي تجعل لهم سلطانًا علينا، فإن تهاوننا أدى إلى تدهورنا.. فنحن لن نهنأ بطعام أو شراب أو فراش إن لم تقدم لنا الدولة ضمانات بأن حقوقنا مصانة ومستقبلنا آمنٌ لنا ولأولادنا ولن يتحقق ذلك إلا بمشاركة الشعب في السلطات الثلاث مشاركة حقيقية.
ختامًا.. أتمنى أن نفرق بين الكرامة الإنسانية والكرامة “الحيوانية”، فالحيوان في بلدي يجد ما لا يجده بني “البشر المهمشين “من كل جهة وناحية.
• ومضة
“لا خير في ترفٍ بلا شرف”.
بقلم.. بندر الهاجري
Q8bndr@

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.