الثأر رياضة إنسانية عريقة، بدأت منذ رُكِل هابيل ” بكُره” أخيه قابيل, وما زالت مستمرة حتى الآن .
والعرب هم “برازيل” كؤوس الثأر العالمى بلا أدنى شك , فما زال محبو وعشاق رياضة ” الكُره المُستديم ” من “صقلية” الى “بورتريكو” يتذكرون بفخر أهداف “الزير سالم” فى مرمى” بكر” على نهائى البسوس، كما لا ينسون “بلنتيات”” قيس بن زهير ” فى مرمى “حذيفة بن بدر” خلال نهائى داحس والغبراء.
وما من عاشق ثأري لم يتألم بحرقة كلما أعيد أمامه مشهد هدف “ضبة” القاتل المحرز فى ” الشطر الثانى ” داخل أضلاع أبوالطيب المتنبي حبيب الملايين وصاحب مهارات الخيل والليل والبيداء المعروفة وذو لياقة القرطاس والقلم النادرة داخل ملاعب الشعر.
بعد أن مضى الزمن الثأري الجميل طور العرب أساليبهم الثأرية بما يقتضي واقع الحال , حاول ” الصعايدة ” حديثاً تغيير قواعد الأهداف, فلم يعد القاتل بذاته هو هدفهم الأسمى! بل أصبحت العائلة بأكملها هدفاً مستباحاً!.
يجتمع أهل المقتول فيختارون أفضل ما فى العائلة الأخر، وليس شرطا أن يكون هو القاتل بل يكون افضلهم تعليماً ومركزاً ثم “طاخ وطيخ” فى منطقة جزاء الضحية حتى إحراز الهدف ليصفر بعدها ” قطار عمر الضحية ” معلناً انتهاء الرحلة ليعود القتلة الى ملعبهم وينتظروا الهجمات الثأرية المرتدة , وهكذا !.
طبعاً الأساليب الثأرية العربية مكلفة جداً، ولذلك تركها أغلب آل يعرب رياضياً تحت ضغط الدول الحديثة التى اشترطت ان تقام “المباريات الثأروية “تحت إدارة حكمها القضائى, وتحت مسمى ” القصاص” , ولكن العرب ولعشقهم لرياضتهم المفضلة حولوا ملعبها من ” الطيخ والطاخ ” إلى ملعب ” “الانتقاد الاجتماعى ” وهنا مربط فرس مقالى هذا.
الآن العرب عندما يثأرون من موقف مؤسف لشخص ما فإنهم يختارون أفضل موقف فى “عائلة مواقفه”، ويقررون الثأر منه!, ولا يهم إن كان “موقفه المتهم “, فات ومات ودفن تحت أكوام المواقف المشرفة الاخرى, فهذا لا يمنع لهاة الثأر العربى من أن تصيح والهة : أريد هذا الموقف المؤسف حياً لتضرب بعدها بالمليان أفضل مواقف الضحية وترديه قتيلاً غير مأسوف على نقائه!.
المغرد كويتى منتف تعرض لهذا النوع من الثأر, فقد نبش له موقف من ” قضية البدون “, قد كان كتبه فى الشبكة الوطنية فى العام 2011, الموقف كان عنصريا بلا شك , ولكنه مات, “وشبع موت” والرجل اليوم ابن العام 2013, والمواقف تجب بعضها بعضاً، كما أن مواقفه الأخيرة تجاه قضية البدون تشفع له وهى مشاهدة ومعروفة.
ولكن البعض سامحه الله, قرر الثأر واختار ضحيته فعلاً من بين أفضل مواقف الرجل وقرر أن يرديها برصاصة تهمة “التكسب على القضية ” ! وهو ما حصل فعلا حيث قرر ” كويتى منتف” عبر التويتر دفن موقفه القتيل وتحسب الله على من كان السبب!.
نصيحة لا أوجهها لإخوانى ” البدون ” فقط بل لكل صاحب قضية مستحقة فى هذا الوطن , نجاح أى قضية مرهون بكسب المؤيدين لها وفشلها هو باتباعها حمية رياضة الثأر العربى الذى يرى القذى فى عين الماضى ولا يرى الجذع فى عين المستقبل .
إخوانى دعوا مواقف الخلق للخالق, وتعاملوا بروح رياضية مع جسد قضيتكم , وتساموا عن نبش الماضى, واحرصوا كل الحرص على نقش مكاسب قضيتكم على أقسى صخور المجتمع , فلا الثأر الانتقائى يبنى قضية ولا التنفير سيكون نفيرا يوقظ كتائب ” الحقوق ” لتخوض معركتها وتنتصر باذن الله .
@bin_7egri
أضف تعليق