تستطيع الابتداء بالكلام عن شهر رمضان وفضائله ولكن لا تكاد تستطيع الانتهاء…فهذا الشهر الذي جُمع فيه من خيري الدنيا والآخرة ما فُرّق في غيره لا تفيه الكلمات ولا تُسعف المفردات لأعطاءه شيئاً ممّا يستحق…فالشهر الذي تشرّع فيه أبواب الرحمة وتصف?د فيه مردة الجن وينادي فيه مناد من السماء يا باغي الخير أقبل وباغي الشر أقصر شهر حُقّ له التفرّد باسم شهر الرحمة والمغفرة…!
وهذا الشهر الذي تتجلّى فيه أسمى صور انصاف الفقير شهر لا يليق بعاقل التغافل عن محاسنه ومزاياه وتعاليمه…فرمضان هو الشهر الوحيد الذي يُجبر فيه الغني على النزول من برجه العاجي ليشارك الفقراء آلام الجوع والعطش حتى تُسقى جذور الرحمة في نفسه من آلام الجوع فالرحمة منشؤها من الآلام كما قيل…وفي هذا الشهر تُبلل وشائج الرحم التي قطّعتها حوادث الحياة الماديّة وترى فيه الأسر وهي ملتفة على مائدة الطعام فلولا هذا الشهر الفضيل لاندثرت هذه الصورة الرائعة كما اندثرت كثير من الأخلاق الحميدة…وفي هذا الشهر ترى من تسارع المسلمين للخير والطاعات ما يجعلك توقن بأن هذه الأمة لن تموت وتتأكد بأن الناس مهما بدر منهم من ذنوب ومعاصي لازالوا يحملون في نفوسهم جذور الخير وكل ما ينقصهم هو تعاهد تلك الجذور بالسقيا.
فهل يليق بعاقل أن يستعيض بالتحليلات السياسة-المكررة والسامجة-عن الطاعات…؟وهل يليق براشد أن ينشغل بمالا ينتهي”السياسة” عن التزود من الطاعة في “أيام معدودات” …ليت المنشغلين بالسياسة عامة والمحلية خاصة يعلمون بأن أحداثها متكررة في أشياء كثيرة وتصل أحيانا إلى حد التطابق ومن يقرأ كتب التاريخ يكاد يجزم بهذا ولكن هذه الشهر الكريم بنفحاته الايمانية لا يتكرر فرمضان في كل سنة يختلف عن سابقه وتابعه بما فيه من رحمة خاصة به تشمل عتقاءه من النار…فليتنا نستثمر هذا الشهر الكريم بما يليق به من الطاعات…فلعلّه آخر رمضان لنا في هذه الدنيا…؟!!
عبدالكريم دوخي الشمري
تويتر:a_do5y
أضف تعليق