كتاب سبر

أخيل البغدادي

ليس أشد على ذي عقل من الاستخفاف بعقله وما أشده حينما يكون هذا الاستخفاف مقصوداً، عن علم بضعفٍ، وقلة حيلة، ويزيده عذاباً إلى عذابه، قناعة الكثيرين بقبول هذا الاستخفاف وتنزيله منزلة الحقائق. ومن الاستخفاف ما نسمع به اليوم من حملة عسكرية أممية لضرب مايسمى بداعش، واحتشاد عالمي من دول كبرى لتنفيذ هذه الحملة، فما هي هذه الداعش التي يحتشد لحربها وقتالها كل هذه الجيوش؟
لقد بلغ باستخفاف هؤلاء، أن أرادوا بنا أن نصدق أن جماعة لا يتعدى عددها معشار عدد ما جمع لحربها، تكمن بمكان مكشوف، خالٍ من كل عوامل الدفاع الطبيعية، ووسائل الدفاع الجوية، محاطة بأعداء، ومحصورة بأنظمة، يحشد لها كل هذا الحشد الهائل الذي يذكر بأنه سيصل إلى مشاركة أربعين دولة، إن هذا لهو البلاء المبين!
لماذا؟ ألأن داعش قتلت رجالاً من النصارى، أو سبت كما يذكرون نساءً من النصارى، أم لأنها أوغلت بدماء مسلمين طالما أوغلوا هم فيها؟
لاشك أن هؤلاء يلتذون بتعذيبنا عقلياً حين يدعون ذلك وهم يعلمون أننا نراهم ونسمعهم يسكتون عن إجرام البراميل المتفجرة التي تلقى على المدنيين أطفالاً ونساءً ورجالاً كل يوم في سوريا، ويصمتون عن المجازر التي تحدث يومياً للمدنيين رجالاً وأطفالاً ونساءً في سوريا، ويتغافلون عمن أكلوا لحوم القطط والكلاب من ضحايا الحصار الظالم للمدنيين رجالاً ونساءً وأطفالاً في سوريا، ونراهم يسكتون عن إجرام جيش الدفاع الإسرائيلي بحق المدنيين رجالاً وأطفالاً ونساءً في غزة، وذات السكوت نفسه بل أشد، عن إجرام نظام بورما من قتل وسحل وحرق بحق المدنيين المسلمين رجالاً ونساءً وأطفالاً في بورما!
كل ذلك، طيلة سنين، يروننا نراهم ونسمعهم يصمتون عنه ثم يدعون أنهم جاءوا اليوم يريدون ضرب داعش لتخليص الناس من وحشية داعش، وإرهاب داعش، ولصيق بداعش ما يفوق إجرام داعش من مليشيات إيران الصفوية من قتلة الأطفال والنساء والرجال السنة في العراق وسوريا، لم تذكر بشيء من حملة ضرب داعش، فأي تعذيب أشد من هذا، بهذا الاستخفاف بعقولنا؟
لكنني أقول للكثيرين ممن ينزل هذا الاستخفاف منزلة الحقيقة، أعني الحملة المزعومة أن حقيقة هذه “الحقيقة” أن جماعات إسلامية مجاهدة ليست من داعش، ولا تقر أفعال داعش، سيكون لها النصيب الأوفى من ضربات هذه الحملة، بل إنها المقصودة بهذه الحملة المموهة بضرب داعش.
ومن هذه الحقيقة كذلك، أن داعش قد جُعلت نقطة تجميع يجتمع إليها من جميع أنحاء العالم، كل ذي روح جهادية وبالأخص من الغرب، ممن يعسر عليهم إخراجه، ليستخدم لأغراض إلى حين التخلص منه بعد الفراغ من هذه الأغراض، وكذلك مما لا يستبعد من احتمالات لأغراض هذه الحملة تصنيع “أخيل” جديد لا يُقهر استطاع أن يقف أمام هذا الحشد الأممي الهائل كما استطاع من قبل أن يقف أمين عام مايسمى بحزب الله بوجه جيش الدفاع الإسرائيلي الذي لايقهر في حرب 2006 الهزلية، ليجتمع إليه مغفلون كما اجتمع لمن قبله مغفلون..وهكذا هي صناعات التغفيل!
لكننا بعيداً عن هذا التغفيل، وبعيداً جداً عن استخفاف هؤلاء بعقولنا، فإن ما لا نماري فيه أن هذه الحملة المزعومة هي مرحلة لسلسلة حملات متعددة الصور متفقة الهدف تتمثل في محاولات يائسة لإيقاف الربيع العربي الإسلامي وماهم ببالغيه.. لقد ألقى الربيع بذوره.
بقلم.. حمدالسنان

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.