اقتربنا كثيرا من طي المرحلة الماضية لكن هذا الاقتراب على صعيد التفاصيل وليس على صعيد الشخوص (أحمد السعدون، مسلم البراك، جمعان الحربش وخالد السلطان) فالشخوص لازالت هناك أدوار تنتظرها، ومن يدير المرحلة خلف الكواليس (الأسرة الحاكمة والأسرة الاقتصادية) في جعبته الكثير من أجل التحضير للمرحلة المقبلة.
هناك مفارقة لا بد من الإشارة لها تتمثل في رغبة “جناحي” الأسرة الاقتصادية “المتصارعين” على منصب الرئيس المقبل لمجلس الأمة في تغييب رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون عن الساحة الانتخابية بتواطؤ “شعبي”، وهذا ما يفسّر انزعاج السعدون وانتقاده الشديد لما يجري خلف الكواليس، وفي المقابل هناك رغبة من طرف محوري في الأسرة الحاكمة في غياب الثلاثي (السعدون، الحربش والبراك).
حتى نفهم ما يدور بشكل دقيق لا بد من العودة قليلا إلى الوراء لتحفيز عقل القارئ، في البداية كان هناك قرار بإفشال الشيخ ناصر المحمد دون التطرق لمن يقف خلف هذا القرار وإبعاده عن منصب رئيس الحكومة، وهو ما تحقق فعلًا لسببين، أولًا ضعف المحمد نفسه وعدم قدرته على استيعاب ما يدور حوله، وشراسة خصومه وقدرتهم على إحداث التغيير المتفق عليه، ثانيا وكان رأس الحربة في معركة الإزاحة تلك الشيخ أحمد الفهد، لكن بالطبع كان خلف ما يجري تحالفات كثيرة بعضها متناقض.
كانت معركة الإزاحة شرسة إلى الحد الذي كانت تتبدّل فيه التحالفات بشكل لم تشهده الساحة السياسية من قبل، كما كثرت الإشاعات والتسريبات والمؤامرات من داخل الحكومة وخارجها حتى بلغ الأمر خداع بعض النواب بوثائق مررت على أنها وثائق حقيقية تتعلق بجوانب مالية وإدارية، كما تخللها أي تلك الفترة مناوشات على شكل إستجوابات لبعض الوزراء، ومماحكات بين النواب أنفسهم وهي ربما تكون المرة الأولى التي تنشب معركة فيما بين النواب.
في خضم تلك الأجواء قررت الأسرة الاقتصادية اللحاق بالركب حتى ولو كان الوقت متأخرًا، رغم أنها رفضت في بداية النزاع جرّها وتحبيذها البقاء على الحياد، وقد ظهرت مؤشرات تلك الخطوة من خلال المشاركة في ندوة د.جمعان الحربش التي ضرب فيها النواب، بالإضافة إلى تسريب وثائق عن إيداعات وتحويلات إلى جريدة القبس، ثم رفع شعار “حكومة جديدة ورئيس جديد ونهج جديد” في ندوة (الرصاصات الخمس) وتجمّع انقاذ وطن.
المرحلة الثانية كانت مرحلة الضغط نحو خيارات “محددة”، وقد بلغت تلك المرحلة ذروتها بعد حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الأمة (المبطل الأول)، والتسريبات حول قرب صدور مرسوم “ضرورة ” بتخفيض عدد الأصوات الممنوحة للناخب إلى صوت واحد بدلًا من أربعة، ثم خطاب ساحة الإرادة “لن نسمح لك” ومسيرات ما يسمى “كرامة وطن”، وانتهاءً بمشروع الشيخ أحمد الفهد (بلاغ الكويت)، وربما من الهام هنا أن نتذكر أنه قد سبق تلك الأجواء محاولة لإقناع المعنيين بتعيين أحد أقطاب الأسرة الحاكمة (مفتّش عام) حتى يمكن فهم شيء ما.
الآن هناك انقسامات شديدة في أوساط ما يسمى كتلة الأغلبية وهو المشهد ما قبل النهاية في المرحلة الماضية، وتلك أغلبية غير متجانسة نشأت في المجلس المبطل الأول، لكن ما يهم في تلك المجموعة الحركة الدستورية الإسلامية، وكتلة العمل الشعبي والتفريعات التي نتجت عن الأخيرة، فهما الجناحين اللذين سيكون بعض أعضائهما جزءًا من المشهد الجديد الذي يقوم بصنعه المتنافسين على منصب رئيس مجلس الأمة المقبل، وساحة للاستقطاب للانتخابات البرلمانية المقبلة.
جزء من الحركة الدستورية الإسلامية أصبح قريبًا من النائب السابق محمد الصقر، والجزء الآخر قريب من رئيس مجلس الأمة الحالي مرزوق الغانم، وهناك مجموعة من أعضاء كتلة العمل الشعبي السابقين أصبحوا أكثر قربا من النائب الصقر، وبعضهم أيضا حاول التعلّق بتحالفات الرئيس الغانم المقبلة، وانقسم بعض أعضاء مجموعة “المندسين” كما يصفهم النائب السعدون، وهم أولئك الذين أبعدوا في فترات سابقة بين الصقر والغانم.
رسائل السعدون في الندوات الثلاث السابقة والتي اشترك في إحداها مع نائبين سابقين من الحركة الدستورية الإسلامية، كانت واضحة وجلية وقد رد عليها النائب السابق المخضرم مبارك الدويلة في لقائه مع قناة المجلس حينما طالبه (السعدون) بالاعتزال والتحوّل إلى مستشار للمعارضة، رغم أنه سخر في بداية حديثه من كتلة العمل الشعبي (حشد) وخلافاتها بالقول أنه غير مستريح من الخلافات داخلها ولابد من إعادة اللحمة لها من جديد.
أضف تعليق