تبدو المملكة العربية السعودية بالتزامن مع التغييرات الداخلية الجديدة أكثر إستيعابا لتطورات الأوضاع الإقليمية على عكس الحالة السائدة في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز التي غلب عليها الإرتباك والتناقض ، ويمكن الإشارة في هذه الأجواء إلى تصريحات وزير الخارجية سعود الفيصل عقب لقاء مع نظيره الأمريكي جون كيري يوم الخميس الماضي حول مواجهة ” التصرفات الإيرانية ” خارج إطار الملف النووي الإيراني .
يمكن أن تكون طريقة إدارة الرئيس باراك أوباما للملفات الدولية هي السبب في أجواء الإرتباك على إعتبار أن موقفها من تلك الملفات يفتقد ” الوضوح والشفافية ” كما هي الحال في اليمن الآن إذ لم تتحدث تلك الإدارة عن موقف واضح ومحدد تجاه سيطرة جماعة أنصار الله ” الحوثيين ” على المشهد السياسي اليمني ومحاولة إقصاء بقية القوى السياسية وتعطيل المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، لا بل أنها فتحت قنوات إتصال مع قيادات تلك الجماعة على حساب الأطراف الأخرى في ذلك المشهد .
هناك مقاربات أخرى في الملفين القطري والمصري تشير أيضا أن المرحلة المقبلة ستعكس تطورا جديدا على الساحة وهو في طور النضوج ولن يتوقف ربما عند هذين الملفين بل سيتضمن الملفين التركي والسوري وربما اليمني والعراقي ، فالعملية بدأت بترتيب البيت الداخلي ثم أنتقلت إلى البيت العربي الذي هو الآخر في إطار صياغة جديدة تؤمن موقفا متماسكا تجاه التحديات الخارجية .
السعودية فيما يبدو تبنت وجهة نظر الرئيس الأمريكي باراك أوباما نحو الحالة الإيرانية ” ضرورة التفريق بين الملف النووي وتصرفات إيران في المنطقة ” ، وهي تختلف في هذه الخطوة مع موقف سابق لها ظهرت فيه وكأنها على إتفاق مع إسرائيل التي ترفض بدورها الفصل بين الملفين وتعتبرهما ملفا واحدا ، خاصة بعد إقرار إتفاقية ” التفاهم ” المؤقت بين إيران والولايات المتحدة الممتدة إلى نهاية شهر يونيو المقبل .
السعودية قبلت إيضا التعهد الأمريكي بأن « أي اتفاق لن يكون صفقة كبرى مع إيران، وإن واشنطن تدرك جميع أبعاد تصرفات إيران الإقليمية» ، كما أنها لم تعترض على شرطي الولايات المتحدة لإبرام إتفاق نهائي مع إيران ” إبقاء برنامجها النووي على ما هو عليه الآن لمدة عشر سنوات على الأقل وتقليص عناصر منه موجودة في الوقت الراهن ، وإذا حصلت الولايات المتحدة الأمريكية على وسيلة للتحقق من ذلك فإنه لا توجد خطوات أخرى يمكن اتخاذها لتعطي إيران ضمانة بأنها لا تمتلك سلاحا نوويا ” ، بالإضافة إلى أن هناك حديث عن ” مظلة نووية ” لتبديد مخاوف دول الخليج مثل تلك التي توفرها الولايات المتحدة لليابان وكوريا الجنوبية ودول حلف الأطلسي .
الملف الإيراني ملف ساخن وله أكثر من رأس بالنسبة للرياض لكن مايقلقها أيضا ملف آخر يتعلق بالتطورات الأخيرة في العراق وتمدد تنظيم الدولة الإسلامية و تداعيات ذلك الملف على الداخل السعودي ، خاصة بعدما دعا ذلك التنظيم المتعاطفين معه لتنفيذ هجمات داخل المملكة ، وإستجاب مجموعة لهذا النداء بالهجوم على قرية شيعية في شرق المملكة في نوفمبر الماضي ذهب ضحيته 8 أشخاص .
الرياض تحاول بناء تحالفات جديدة وطي المرحلة تمثلت في فتح حوار مع الأطراف الخليجية أولا بالإضافة إلى الأردن ومصر وتركيا وباكستان على أسس جديدة وهي في هذا التوجه حرصت على ” تبريد ” ملف الإخوان والمسلمين والسماح لهم بدور بعيدا عن الساحة السياسية من أجل إرضاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، كما حرصت على التشديد أن هذا الإنفتاح الجزئي لايعني التخلي عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ، وبناء ذلك التحالف الهدف منه إحتواء الملفين المقلقين بالنسبة للمملكة وبقية دول الخليج إيران والدولة الإسلامية ،
كل تلك المؤشرات تقول أن هناك تغيرا ما في السياسة الخارجية السعودية على صعيد الآليات والوسائل وطريقة التعاطي رغم بقاء الأهداف خاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني كما هي ، وسيكون لهذا التغير نتائج إيجابية على الأرض من المتوقع أن تطال كل الملفات الساخنة وسيكون أحدها الخيار العسكري لحل الملف النووي الإيراني .
أضف تعليق